قُلْنَا: قَدْ أُعْطِيَ مُحَمَّدٌ أَفْضَلَ مِنْ هَذَا؛ لِأَنَّ يَحْيَى لَمْ يَكُنْ فِي عَصْرِ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ وَالْجَاهِلِيَّةِ وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي عَصْرِ أَوْثَانٍ وَجَاهِلِيَّةٍ فَأُوتِيَ الْفَهْمَ وَالْحُكْمَ صَبِيًّا بَيْنَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَحِزْبِ الشَّيْطَانِ فَمَا رَغِبَ لَهُمْ فِي صَنَمٍ قَطُّ , وَلَا شَهِدَ مَعَهُمْ عِيدًا , وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ قَطُّ كَذِبٌ وَكَانُوا يَعُدّونَهُ صَدُوقًا أَمِينًا حَلِيمًا رَءُوفًا رَحِيمًا وَكَانَ يُوَاصِلُ الْأُسْبُوعَ صَوْمًا فَيَقُولُ: إِنِّي أَظَلُّ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْكِي حَتَّى يُسْمَعَ لِصَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ مِنَ الْبُكَاءِ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ عَلَى يَحْيَى فَقَالَ: {وسَيِّدًا وَحَصُورًا} [آل عمران: 39] وَالْحَصُورُ: الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ. قُلْنَا: إِنَّ يَحْيَى كَانَ نَبِيًّا وَلَمْ يَكُنْ مَبْعُوثًا إِلَى قَوْمِهِ وَكَانَ مُنْفَرِدًا بِمُرَاعَاةِ شَأْنِهِ وَكَانَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا إِلَى كَافَّةِ النَّاسِ لِيَقُودَهُمْ وَيَحُوشَهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَوْلًا وَفِعْلًا فَأَظْهَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ الْأَحْوَالَ الْمُخْتَلِفَةَ وَالْمَقَامَاتِ الْعَالِيَةَ الْمُتَفَاوِتَةَ فِي متَصَرَّفَاتِهِ لِيَقْتَدِيَ كُلُّ الْخَلْقِ بِأَفْعَالِهِ وَأَوْصَافِهِ , فَاقْتَدَى بِهِ الصِّدِّيقُونَ فِي جَلَالَتِهِمْ وَالشُّهَدَاءُ فِي مَرَاتِبِهِمْ وَالصَّالِحُونَ فِي اخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمْ؛ لِيَأْخُذَ الْعَالِي وَالدَّانِي وَالْمُتَوَسِّطُ وَالْمَكِينُ مِنْ فِعَالِهِ قِسْطًا وَحَظًّا؛ إِذِ النِّكَاحُ مِنْ أَعْظَمِ حُظُوظِ النَّفْسِ وَأَبْلَغِ الشَّهَوَاتِ , فَأَمَرَ بِالنِّكَاحِ , وَحَثَّ عَلَيْهِ؛ لِمَا جَبَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ النُّفُوسَ وَأَبَاحَ ذَلِكَ لَهُمْ؛ لِيَتَحَصَّنُوا بِهِ مِنَ السِّفَاحِ فَشَارَكُوهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ظَاهِرِهِ وَشَمَلَهُمُ الِاسْمُ مَعَهُ وَانْفَرَدَ عَنْ مُسَاوَاتِهِ مَعَهُمْ فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَزَوَّجُوا؛ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015