ورآه عمر - رضي الله عنه - يتلوى من الجوع، فما يجد رديء التمر يسد به جَوعَتَه، ثم رأى - رضي الله عنه - ما أصاب الناس من الدنيا فقال: (لقد رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يظل اليوم يلْتَوي، ما يجد دَقَلاً يملأ به بطنه). (?) والدقل: هو التمر الرديء.
وحين يجد النبي - صلى الله عليه وسلم - طعاماً فإنما يجد خبز الشعير فحسب، يقول ابن عباس حاكياً حال ابن عمه - صلى الله عليه وسلم -: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبيت الليالي المتتابعةَ طاوياً، وأهلُه لا يجدون عشاء، وكان أكثرُ خبزِهم خبز الشعير). (?) ومع ذلك فما كان يجد ما يشبعه منه.
وهذا الشعير الذي لم يشبع منه - صلى الله عليه وسلم - كان من رديء الشعير، لا من جيده، فقد كان غير منخول.
سئل سهل بن سعد: هل أكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النقي [أي من الشعير]؟ فقال سهل: ما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النقي من حين ابتعثه الله حتى قبضه الله.
فقيل له: كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ قال: كنا نطحنه وننفخه، فيطير ما طار، وما بقي ثريناه [أي: بللناه بالماء] فأكلناه. (?)
وتحكي أم المؤمنين عائشة لابن أختها عروة حال بيوتات النبي - صلى الله عليه وسلم -، فتقول: (ابنَ أختي، إنْ كنا لننظرُ إلى الهلال ثم الهلال، ثلاثةَ أهلَّةٍ في شهرين، وما أوقدت في أبيات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نار).
فسألها عروة: يا خالةُ، ما كان يُعيشُكم؟ قالت: (الأسودان: التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - جيران من الأنصار كانت لهم منائح، وكانوا يمنحون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ألبانهم، فيسقينا). (?)
وبعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - دُعي أبو هريرة - رضي الله عنه - إلى شاة مشوية، فأبى أن يأكل، وقال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير. (?)