وأول ما نلحظه أنه - صلى الله عليه وسلم - ما كان يطلب أجراً على نبوته من أحد، بل كان يقول بمثل ما قال إخوانُه الأنبياء من قبل: {قل ما أسألكم عليه من أجرٍ وما أنا من المتكلفين} (ص: 86).
واستغناء الأنبياء عن أجر الناس وجزائهم دليل على نبوتهم، وأنهم يرقبون الأجر من الله، ولذا لما دعا مؤمن آل ياسين قومه للإيمان بأنبياء الله قال لهم: {قال يا قوم اتبعوا المرسلين - اتبعوا من لا يسألكم أجراً وهم مهتدون} (يس: 20 - 21).
ودعونا نتأمل بعض صنيعه - صلى الله عليه وسلم - وبعضَ ما أنزل الله إليه، ثم ننظر هل هذا صنيعُ دعي كذاب، أم هو أدبُ النبوة وعبق الرسالة؟
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤثِر حياة الزهد، ويدعو الله أن يجعله من أهلها، فكثيراً ما تبتل إلى ربه مناجياً: ((اللهم أحيني مسكيناً، وأمِتْني مسكيناً، واحشرني في زمرة المساكين يوم القيامة)). (?)
وخيره ربه بين المُلكِ في الأرض وبين حياة الشظف والقِلة، فاختار - صلى الله عليه وسلم - شظف العيش زهادة منه في الدنيا وترفعاً على متاعها، ففي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن ملَكاً نزل من السماء، فقال: يا محمد أرسلني إليك ربك. قال: أفملِكاً نبياً يجعلُك أو عبداً رسولاً؟ قال جبريل: تواضع لربك يا محمد. فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((بل عبداً رسولاً)). (?)
وإذا تأملنا حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ونظرنا كيف كان يعيش - صلى الله عليه وسلم - في بيته، فإنا راؤون عجباً، فلكم بقي عليه الصلاة والسلام طاوياً على الجوع، لا يجد ما يأكله، وهو رسولُ الله وصفوتُه من خلقه، يقول أبو هريرة: (ما شبع آل محمد - صلى الله عليه وسلم - من طعام ثلاثة أيام حتى قبض). (?)