قد ترى في أوّل الأمر أنّ حسنه أجمع في أن جعل للدهر «وجنة»، وجعل البنيّة «خالا» في الوجنة، وليس الأمر على ذلك، فإن موضع الأعجوبة في أن أخرج الكلام مخرجه الذي ترى، وأن أتى «بالخال» منصوبا على الحال من قوله «فبناها». أفلا ترى أنك لو قلت: «وهي خال في وجنة الدهر»، لوجدت الصورة غير ما ترى؟ وشبيه بذلك أنّ ابن المعتز قال: [من المجتث]
يا مسكة العطّار ... وخال وجه النهار (?)
وكانت الملاحة في الإضافة بعد الإضافة، لا في استعارة لفظة «الخال»؛ إذ معلوم أنه لو قال: «يا خالا في وجه النهار» أو «يا من هو خال في وجه النهار»، لم يكن شيئا.
ومن شأن هذا الضّرب أن يدخله الاستكراه، قال الصاحب (?): «إياك والإضافات المداخلة، فإن ذلك لا يحسن»، وذكر أنه يستعمل في الهجاء كقول القائل: [من الخفيف]
يا عليّ بن حمزة بن عماره ... أنت والله ثلجة في خياره (?)
ولا شبهة في ثقل ذلك في الأكثر، ولكنه إذا سلم من الاستكراه لطف وملح.
ومما حسن فيه قول ابن المعتز أيضا: [من الطويل]
وظلّت تدير الرّاح أيدي جآذر ... عتاق دنانير الوجوه ملاح (?)
ومما جاء منه حسنا جميلا قول الخالديّ في صفة غلام له: [من المنسرح]