واعلم أنّ ممّا هو أصل في أن يدقّ النظر، ويغمض المسلك، في توخّي المعاني التي عرفت: أن تتّحد أجزاء الكلام ويدخل بعضها في بعض، ويشتدّ ارتباط ثان منها بأوّل، وأن تحتاج في الجملة إلى أن تضعها في النفس وضعا واحدا، وأن يكون حالك فيها حال الباني يضع بيمينه هاهنا في حال ما يضع بيساره هناك. نعم.
وفي حال ما يبصر مكان ثالث ورابع يضعهما بعد الأوّلين. وليس لما شأنه أن يجيء على هذا الوصف حدّ يحصره، وقانون يحيط به، فإنه يجيء على وجوه شتّى، وأنحاء مختلفة.
فمن ذلك أن تزاوج بين معنيين في الشرط والجزاء معا، كقول البحتري: [من الطويل]
إذا ما نهى النّاهي فلجّ بي الهوى، ... أصاخت إلى الواشي فلجّ بها الهجر (?)
وقوله: [من الطويل]
إذا احتربت يوما ففاضت دماؤها، ... تذكّرت القربى ففاضت دموعها (?)
فهذا نوع.
ونوع منه آخر، قول سليمان بن داود القضاعيّ: [من الوافر]
فبينا المرء في علياء أهوى، ... ومنحطّ أتيح له اعتلاء
وبينا نعمة إذ حال بؤس، ... وبؤس إذ تعقّبه ثراء
ونوع ثالث وهو ما كان كقول كثير: [من الطويل]
وإنّي وتهيامي بعزّة بعد ما ... تخلّيت ممّا بيننا وتخلّت
لكالمرتجى ظلّ الغمامة كلّما ... تبوّأ منها للمقيل اضمحلّت (?)
وكقول البحتري: [من الطويل]