سالت عليه شعاب الحيّ حين دعا ... أنصاره، بوجوه كالدّنانير (?)
أراد أنّه مطاع في الحيّ، وأنهم يسرعون إلى نصرته، وأنه لا يدعوهم لحرب أو نازل خطب، إلا أتوه وكثروا عليه، وازدحموا حواليه، حتى تجدهم كالسيول تجيء من هاهنا وهاهنا، وتنصبّ من هذا المسيل وذلك، حتى يغصّ به الوادي ويطفح منها.
ومن بديع الاستعارة ونادرها، إلا أنّ جهة الغرابة فيه غير جهتها في هذا، قول يزيد بن مسلمة بن عبد الملك يصف فرسا له، وأنّه مؤدّب، وأنه إذا نزل عنه وألقى عنانه في قربوس سرجه، وقف مكانه إلى أن يعود إليه: [من الكامل]
عوّدته فيما أزور حبائبي ... إهماله، وكذاك كلّ مخاطر
وإذا اختبى قربوسه بعنانه ... علك الشّكيم إلى انصراف الزّائر (?)
فالغرابة هاهنا في الشبه نفسه، وفي أن استدرك أنّ هيئة العنان في موقعه من قربوس السرج، كالهيئة في موضع الثّوب من ركبة المحتبي.
وليست الغرابة في قوله: [من الطويل] وسالت بأعناق المطيّ الأباطح (?) على هذه الجملة (?)، وذلك أنه لم يغرب لأن جعل المطيّ في سرعة سيرها وسهولته كالماء يجري في الأبطح، فإنّ هذا شبه معروف ظاهر، ولكن الدّقة واللطف في خصوصيّة أفادها، بأن جعل «سال» فعلا للأباطح، ثم عدّاه بالباء، بأن أدخل الأعناق في البين،: فقال «بأعناق المطيّ»، ولم يقل: «بالمطيّ»، ولو قال: «سالت المطيّ في الأباطح»، لم يكن شيئا.
وكذلك الغرابة في البيت الآخر، ليس في مطلق معنى «سال»، ولكن في تعديته