فيه ومن صفته، بان بذلك أنّ الأمر على ما قلناه، من أن اللّفظ تبع للمعنى في النظم، وأنّ الكلم تترتّب في النطق بسبب ترتّب معانيها في النفس، وأنها لو خلت من معانيها حتى تتجرّد أصواتا وأصداء حروف، لما وقع في ضمير ولا هجس في خاطر، أن يجب فيها ترتيب ونظم، وأن يجعل لها أمكنة ومنازل، وأن يجب النطق بهذه قبل النطق بتلك. والله الموفّق للصواب.

فصل: منه في شبهة الذين حصروا الفصاحة في صفة اللفظ

وهذه شبهة أخرى ضعيفة، عسى أن يتعلّق بها متعلّق ممن يقدم على القول من غير رويّة: وهي أن يدّعي أن لا معنى للفصاحة سوى التلاؤم اللفظيّ، وتعديل مزاج الحروف

حتى لا يتلاقى في النطق حروف تثقل على اللسان، كالذي أنشده الجاحظ من قول الشاعر: [من السريع]

وقبر حرب بمكان قفر ... وليس قرب قبر حرب قبر (?)

وقول ابن يسير (?): [من الخفيف]

لا أذيل الآمال بعدك إنّي ... بعدها بالآمال جدّ بخيل

كم لها موقفا بباب صديق ... رجعت من نداه بالتعطيل

لم يضرها والحمد لله، شيء ... وانثنت نحو عزف نفس ذهول (?)

قال الجاحظ: «فتفقّد النصف الأخير من هذا البيت، فإنّك ستجد بعض ألفاظه يتبّرأ من بعض» ويزعم أن الكلام في ذلك على طبقات، فمنه المتناهي في الثّقل المفرط فيه، كالذي مضى، ومنه ما هو أخفّ منه كقول أبي تمام: [من الطويل]

كريم متى أمدحه أمدحه والورى ... جميعا، ومهما لمته لمته «وحدي» (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015