ذكرتها فيه على ذكر (?) منك أبدا، فإنها عمد (?) وأصول في هذا الباب، إذا أنت مكّنتها في نفسك، وجدت الشّبه تنزاح عنك، والشكوك تنتفي عن قلبك، ولا سيّما ما ذكرت من أنه لا يتصوّر أن تعرف للّفظ موضعا من غير أن تعرف معناه، ولا أن تتوخّى في الألفاظ من حيث هي ألفاظ ترتيبا ونظما، وأنك تتوخّى الترتيب في المعاني وتعمل الفكر هناك، فإذا تمّ لك ذلك أتبعتها الألفاظ وقفوت بها آثارها، وأنك إذا فرغت من ترتيب المعاني في نفسك، لم تحتج إلى أن تستأنف فكرا في ترتيب الألفاظ، بل تجدها تترتّب لك بحكم أنّها خدم للمعاني، وتابعة لها، ولا حقة بها، وأن العلم بمواقع المعاني في النفس، علم بمواقع الألفاظ الدالّة عليها في النطق.
واعلم أنك إذا رجعت إلى نفسك علمت علما لا يعترضه الشك، أن لا نظم في الكلم ولا ترتيب، حتى يعلّق بعضها ببعض، ويبنى بعضها على بعض، وتجعل هذه بسبب من تلك، هذا ما لا يجهله عاقل ولا يخفى على أحد من الناس.
وإذا كان كذلك، فبنا أن ننظر إلى التّعليق فيها والبناء، وجعل الواحدة منها بسبب من صاحبتها، ما معناه وما محصوله؟ وإذا نظرنا في ذلك، علمنا أن لا محصول لها غير أن تعمد إلى اسم فتجعله فاعلا لفعل أو مفعولا، أو تعمد إلى اسمين فتجعل أحدهما خبرا عن الآخر، أو تتبع الاسم اسما على أن يكون الثاني صفة للأول، أو تأكيدا له، أو بدلا منه، أو تجيء باسم بعد تمام كلامك على أن يكون صفة أو حالا أو تمييزا، أو تتوخّى في كلام هو لإثبات معنى، أن يصير نفيا أو استفهاما أو تمنّيا، فتدخل عليه الحروف الموضوعة لذلك (?) أو تريد في فعلين أن تجعل أحدهما شرطا في الآخر، فتجيء بهما بعد الحرف الموضوع لهذا المعنى، أو بعد اسم من الأسماء التي ضمّنت معنى ذلك الحرف (?)، وعلى هذا القياس.
وإذا كان لا يكون في الكلم نظم ولا ترتيب إلّا بأن يصنع بها هذا الصنيع ونحوه، وكان ذلك كلّه مما لا يرجع منه إلى اللفظ شيء، وممّا لا يتصوّر أن يكون