ولم تر قولا يضطرب على قائله حتى لا يدري كيف يعبّر، وكيف يورد ويصدر، كهذا القول. بل إن أردت الحقّ، فإنه من جنس الشيء يجري به الرجل لسانه ويطلقه، فإذا فتّش نفسه، وجدها تعلم بطلانه، وتنطوي على خلافه، ذاك لأنه مما لا يقوم بالحقيقة في اعتقاد، ولا يكون له صورة في فؤاد.
وذلك أن نظم الحروف هو تواليها في النطق، وليس نظمها بمقتضى عن معنى (?)، ولا الناظم لها بمقتف في ذلك رسما من العقل اقتضى أن يتحرّى في نظمه لها ما تحرّاه. فلو أنّ واضع اللغة كان قد قال: «ربض» مكان «ضرب»، لما كان في ذلك ما يؤدّي إلى فساد.
وأمّا «نظم الكلم» فليس الأمر فيه كذلك، لأنك تقتفي في نظمها آثار المعاني، وترتّبها على حسب ترتّب المعاني في النفس. فهو إذن نظم يعتبر فيه حال المنظوم بعضه مع بعض، وليس هو «النّظم» الذي معناه ضمّ الشيء إلى الشيء كيف جاء واتّفق. ولذلك كان عندهم نظيرا للنّسج والتأليف والصّياغة والبناء والوشي والتّحبير وما أشبه ذلك، ممّا يوجب اعتبار الأجزاء بعضها مع بعض، حتى يكون لوضع كلّ حيث وضع، علّة تقتضي كونه هناك، وحتى لو وضع في مكان غيره لم يصلح.
والفائدة في معرفة هذا الفرق: أنك إذا عرفته عرفت أن ليس الغرض بنظم الكلم، أن توالت ألفاظها في النطق، بل أن تناسقت دلالتها وتلاقت معانيها، على الوجه الذي اقتضاه العقل. وكيف يتصوّر أن يقصد به إلى توالي الألفاظ في النطق، بعد أن ثبت أنه نظم يعتبر فيه حال المنظوم بعضه مع بعض، وأنّه نظير الصياغة والتّحبير (?) والتّفويف (?) والنقش، وكل ما يقصد به التصوير، وبعد أن كنّا لا نشك