وإنّي وإن بلّغتني شرف الغنى ... واعتقت من رقّ المطامع أخدعي (?)
فإن لها في هذين المكانين ما لا يخفى من الحسن، ثم إنك تتأملها في بيت أبي تمام: [من المنسرح]
يا دهر قوّم من أخدعيك، فقد ... أضججت هذا الأنام من خرقك (?)
فتجد لها من الثّقل على النفس، ومن التنغيص والتكدير، أضعاف ما وجدت هناك من الرّوح والخفّة، ومن الإيناس والبهجة.
ومن أعجب ذلك لفظة «الشّيء»، فإنك تراها مقبولة حسنة في موضع، وضعيفة مستكرهة في موضع. وإن أردت أن تعرف ذلك، فانظر إلى قول عمر بن أبي ربيعة المخزوميّ: [من الطويل]
ومن مالئ عينيه من شيء غيره ... إذا راح نحو الجمرة البيض كالدّمى (?)
وقول أبي حيّة: [من الطويل]
إذا ما تقاضى المرء يوم وليلة ... تقاضاها شيء لا يملّ التّقاضيا (?)
فإنك تعرف حسنها ومكانها من القبول، ثم انظر إليها في بيت المتنبي: [من الطويل]
لو الفلك الدّوّار أبغضت سعيه ... لعوّقه شيئ عن الدّوران (?)
فإنك تراها تقلّ وتضؤل، بحسب نبلها وحسنها فيما تقدّم وهذا باب واسع، فإنك تجد متى شئت الرّجلين قد استعملا كلما بأعيانها، ثم ترى هذا قد فرع السّماك (?)، وترى ذاك قد لصق بالحضيض، فلو كانت الكلمة إذا حسنت حسنت من حيث هي لفظ، وإذا استحقت المزيّة والشرف استحقّت ذلك في ذاتها وعلى انفرادها، دون أن يكون السبب في ذلك حال لها مع أخواتها المجاورة لها في النظم، لما اختلف بها الحال، ولكانت إمّا أن تحسن أبدا، أو لا تحسن أبدا.