و «كأنّه حائك»، قال: «على أن لفظ «حائك» في غاية الركاكة إذا أخرج على ما أخرجه أبو تمام في قوله: [من الطويل]
إذا الغيث غادى نسجه خلت أنّه ... خلت حقب حرس له وهو حائك (?)
قال: وهذا قبيح جدّا».
والذي قاله البحتري: «فحاك ما حاك»، حسن مستعمل، والسبب في هذا الذي قاله أنه ذهب إلى أنّ غرض أبي تمّام أن يقصد «بخلت» إلى «الحوك»، وأنه أراد أن يقول: «خلت الغيث حائكا»، وذلك سهو منه، لأنه لم يقصد «بخلت» إلى ذلك، وإنما قصد أن يقول: إنّه يظهر في غداة يوم من حوك الغيث ونسجه بالذي ترى العيون من بدائع الأنوار وغرائب الأزهار، ما يتوهّم معه أن الغيث كان في فعل ذلك وفي نسجه وحوكه، حقبا من الدهر. فالخيلولة واقعة على كون زمان الحوك حقبا، لا على كون ما فعله الغيث حوكا، فاعرفه.
وممّا يدخل في ذلك ما حكي عن الصّاحب من أنه قال: «كان الأستاذ أبو الفضل (?) يختار من شعر ابن الرومي وينقّط عليه، قال فدفع إليّ القصيدة التي أوّلها:
[من الطويل] أتحت ضلوعي جمرة تتوقّد (?) وقال: تأمّلها فتأمّلتها، فكان قد ترك خير بيت فيها، وهو: [من الطويل]
بجهل كجهل السّيف والسّيف منتضى ... وحلم كحلم السّيف والسّيف مغمد (?)
فقلت: لم ترك الأستاذ هذا البيت؟ فقال: لعلّ القلم تجاوزه؟» قال: «ثم رآني من بعد فاعتذر بعذر كان شرّا من تركه. قال: إنما تركته لأنه أعاد السيف أربع مرات. قال الصاحب: لو لم يعده أربع مرّات فقال: «بجهل كجهل السيف وهو منتضى، حلم كحلم السيف وهو مغمد»، لفسد البيت.