فصل

وإذا ثبت أن الجملة إذا بني عليها حصل منها ومن الذي بني عليها في الكثير، معنى يجب فيه أن ينسب إلى واحد مخصوص، فإنّ ذلك يقتضي لا محالة أن يكون «الخبر» في نفسه معنى هو غير المخبر به والمخبر عنه. ذاك لعلمنا باستحالة أن يكون للمعنى المخبر به نسبة إلى المخبر، وأن يكون المستنبط والمستخرج والمستعان على تصويره بالفكر. فليس يشكّ عاقل أنه محال أن يكون للحمل في قوله:

وما حملت أمّ امرئ في ضلوعها (?) نسبة إلى الفرزدق، وأن يكون الفكر منه كان فيه نفسه، وأن يكون معناه الذي قيل إنّه استنبطه واستخرجه وغاص عليه. وهكذا السبيل أبدا، لا يتصوّر أن يكون للمعنى المخبر به نسبة إلى الشاعر، وأن يبلغ من أمره أن يصير خاصّا به، فاعرفه.

ومن الدليل القاطع فيه، ما بيّنّاه في «الكناية»، و «الاستعارة» و «التمثيل» وشرحناه، من أن من شأن هذه الأجناس أن توجب الحسن والمزية، وأنّ المعاني تتصوّر من أجلها بالصّور المختلفة، وأن العلم بإيجابها ذلك ثابت في العقول، ومركوز في غرائز النفوس. وبيّنّا كذلك أنه محال أن تكون المزايا التي تحدث بها، حادثة في المعنى المخبر به، المثبت أو المنفيّ، لعلمنا باستحالة أن تكون المزيّة التي تجدها لقولنا: «هو طويل النجاد» على قولنا «طويل القامة» في الطول، والتي تجدها لقولنا: «هو كثير رماد

القدر» على قولنا: «هو كثير القرى والضيافة» في كثرة القرى. وإذا كان ذلك محالا، ثبت أن المزيّة والحسن يكونان في إثبات ما يراد أن وصف به المذكور، والإخبار به عنه. وإذا ثبت ذلك، ثبت أنّ «الإثبات» معنى، لأن حصول المزيّة والحسن فيما ليس بمعنى، محال.

هذا ممّا نقل من مسودّته بخطّه بعد وفاته رحمه الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015