شيئا غير الذي كان، وأنه يتغير في ذاته، فاعلم أنّ ما كان من الشعر مثل بيت بشّار:
[من الطويل]
كأنّ مثار النّقع فوق رءوسنا ... وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه (?)
وقول امرئ القيس: [من الطويل]
كأنّ قلوب الطّير رطبا ويابسا ... لدى وكرها العنّاب والحشف البالي (?)
وقول زياد: [من الطويل]
وإنّا وما تلقي لنا إن هجوتنا ... لكالبحر، مهما يلق في البحر يغرق (?)
كان له مزيّة على قول الفرزدق فيما ذكرنا، لأنك تجد في صدر بيت الفرزدق جملة تؤدّي معنى، وإن لم يكن معنى يصحّ أن يقال إنه معنى فلان، ولا تجد في صدر هذه الأبيات ما يصحّ أن يعد جملة تؤدّي معنى، فضلا عن أن تؤدّي معنى يقال إنه معنى فلان. ذاك لأن قوله: «كأن مثار النّقع» إلى: «وأسيافنا»، جزء واحد و «ليل تهاوى كواكبه» بجملته الجزء الذي ما لم تأت به لم تكن قد أتيت بكلام. وهكذا سبيل البيتين الآخرين. فقوله: «كأن قلوب الطّير رطبا ويابسا لدى وكرها»، جزء وقوله: «العناب والحشف البالي» الجزء الثاني وقوله: «وإنّا وما تلقي لنا إن هجوتنا» جزء، وقوله: «لكالبحر، الجزء الثاني، وقوله: «مهما تلق في البحر يغرق»، وإن كان جملة مستأنفة ليس لها في الظاهر تعلّق بقوله: «لكالبحر»، فإنها لمّا كانت مبيّنة لحال هذا التشبيه، صارت كأنها متعلّقة بهذا التشبيه، وجرى مجرى أن تقول:
«لكالبحر في أنه لا يلقى فيه شيء إلّا غرق».