الفائدة وقد أعطاها، ويوهمك أن لم يزدك وقد أحسن الزيادة ووفّاها. ولهذه النّكتة كان التجنيس، وخصوصا المستوفى منه، مثل «نجا» و «نجا»، من حليّ الشّعر.
والقول فيما يحسن وفيما لا يحسن من التجنيس والسجع يطول، ولم يكن غرضنا من ذكرهما شرح أمرهما، ولكن توكيد ما انتهى بنا القول إليه من استحالة أن يكون الإعجاز في مجرّد السّهولة وسلامة الألفاظ مما يثقل على اللسان.
وجملة الأمر، أنّا ما رأينا في الدّنيا عاقلا اطّرح النّظم والمحاسن التي هو السبب فيها من «الاستعارة» و «الكناية» و «التمثيل»، وضروب «المجاز» و «الإيجاز»، وصدّ بوجهه عن جميعها، وجعل الفضل كلّه والمزيّة أجمعها في سلامة الحروف مما يثقل. كيف؟ وهو يؤدي إلى السخف والخروج من العقل كما بينا.
واعلم أنه قد آن لنا نعود إلى ما هو الأمر الأعظم والغرض الأهمّ، والّذي كأنّه هو الطّلبة، وكل ما عداه ذرائع إليه. وهو المرام، وما سواه أسباب للتسلّق عليه، وهو بيان العلل التي لها وجب أن يكون لنظم مزيّة على نظم، وأن يعظم أمر التفاضل فيه ويتناهى إلى الغايات البعيدة. ونحن نسأل الله تعالى العون على ذلك، والتوفيق له والهداية إليه.
بسم الله الرّحمن الرّحيم
ما أظنّ بك أيها القارئ لكتابنا، إن كنت وفّيته حقّه من النظر، وتدبّرته حقّ التدبّر، إلّا أنّك قد علمت علما أبى أن يكون للشكّ فيه نصيب، وللتوقّف نحوك مذهب، أن ليس «النّظم» شيئا إلّا توخّي معاني النحو وأحكامه ووجوهه وفروقه فيما بين معاني الكلم وأنك قد تبيّنت أنه إذا رفع معاني النحو وأحكامه مما بين الكلم حتّى لا تراد فيها في جملة ولا تفصيل، خرجت الكلم المنطوق ببعضها في إثر بعض في البيت من الشعر والفصل من النثر، عن أن يكون لكونها في مواضعها التي وضعت فيها موجب ومقتض، وعن أن يتصوّر أن يقال في كلمة منها إنّها مرتبطة بصاحبة لها، ومتعلقة بها، وكائنة بسبب منها وأنّ حسن تصوّرك لذلك، قد ثبت فيه قدمك، وملأ من الثّقة نفسك، وباعدك من أن تحنّ إلى الذي كنت عليه، وأن يجرّك الإلف والاعتياد إليه وأنّك جعلت ما قلناه نقشا في صدرك، وأثبتّه في سويداء قلبك، وصادقت بينه وبين نفسك. فإن كان الأمر كما ظننّاه، رجونا أن يصادف الذي نريد