فلو صوّرت نفسك لم تزدها ... على ما فيك من كرم الطّباع (?)
ومن العجب في ذلك ما تراه إذا أنت تأمّلت قول أبي العتاهية: [من الكامل]
جزي البخيل عليّ صالحة ... عنّي بخفّته على ظهري
أعلى وأكرم عن يديه يدي ... فعلت، ونزّه قدره قدري
ورزقت من جدواه عافية ... أن لا يضيق بشكره صدري
وغنيت خلوا من تفضّله ... أحنو عليه بأحسن العذر
ما فاتني خير امرئ وضعت ... عنّي يداه مئونة الشّكر (?)
ثم نظرت إلى قول الذي يقول: [من المنسرح]
أعتقني سوء ما صنعت من الرّقّ ... فيا بردها على كبدي
فصرت عبدا للسّوء منك وما ... أحسن سوء قبلي إلى أحد (?)
ومما هو في غاية النّدرة من هذا الباب، ما صنعه الجاحظ بقول نصيب: [من الطويل] ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب (?) حين نثره فقال، وكتب به إلى ابن الزّيات: «نحن أعزك الله نسحر بالبيان، ونموه بالقول، والناس ينظرون إلى الحال، ويقضون بالعيان، فأثر في أمرنا أثرا ينطق إذا سكتنا، فإنّ المدّعي بغير بيّنة متعرّض للتكذيب». وهذه جملة من وصفهم الشعر وعمله وإدلالهم به- أبو حيّة النّميرى: [من الكامل]
إنّ القصائد قد علمن بأنّني ... صنع اللّسان بهنّ، لا أتنحّل
وإذا ابتدأت عروض نسج ريّض ... جعلت تذلّ لما أريد وتسهل
حتّى تطاوعني، ولو يرتاضها ... غيري لحاول صعبة لا تقبل (?)