واعلم أنه لو كان المعنى في أحد البيتين يكون على هيئته وصفته في البيت الآخر، وكان التّالي من الشاعرين يجيئك به معادا على وجهه لم يحدث فيه شيئا، ولم يغيّر له صفة، لكان قول العلماء في شاعر: «إنّه أخذ المعنى من صاحبه فأحسن وأجاد»، وفي آخر: «إنّه أساء وقصّر»، ولغوا من القول، من حيث كان محالا أن يحسن أو يسيء في شيء لا يصنع به شيئا.
وكذلك كان يكون جعلهم البيت نظيرا للبيت ومناسبا له، خطأ منهم، لأنه محال أن يناسب الشيء نفسه، وأن يكون نظيرا لنفسه.
وأمر ثالث، وهو أنّهم يقولون في واحد: «إنه أخذ المعنى فظهر أخذه»، وفي آخر: «إنّه أخذه فأخفى أخذه»، ولو كان المعنى يكون معادا على صورته وهيئته، وكان الآخذ له من صاحبه لا يصنع شيئا غير أن يبدّل لفظا مكان لفظ، لكان الإخفاء فيه محالا، لأن اللّفظ لا يخفي المعنى، وإنّما يخفيه إخراجه في صورة غير التي كان عليها.
مثال ذلك أن القاضي أبا الحسن (?)، ذكر فيما ذكر فيه «تناسب المعاني»، بيت أبي نواس: [من الرمل المجزوء]
خلّيت والحسن تأخذه ... تنتقي منه وتنتخب (?)
وبيت عبد الله بن مصعب: [من الوافر]
كأنّك جئت محتكما عليهم ... تخيّر في الأبوّة ما تشاء (?)
وذكر أنّهما معا من بيت بشار: [من الطويل]
خلقت ما فيّ غير مخيّر ... هواي، ولو خيّرت كنت المهذّبا (?)
والأمر في تناسب هذه الثلاثة ظاهر. ثم إنه ذكر أن أبا تمام قد تناوله فأخفاه وقال: [من الوافر]