البلاء واحدا، ولكانوا إذ لم يبنوا لم يهدموا، وإذ لم يصلحوا لم يكونوا سببا للفساد، ولكنهم لم يفعلوا، فجلبوا من الدّاء ما أعيى الطبيب، وحيّر اللبيب، وانتهى التخليط بما أتوه فيه، إلى حدّ يئس من تلافيه، فلم يبق للعارف الذي يكره الشّغب إلا التعجب والسكوت. وما الآفة العظمى إلا واحدة، وهي أن يجيء من الإنسان ويجري لفظه (?)، ويمشي له أن يكثّر في غير تحصيل، وأن يحسّن البناء على غير أساس، وأن يقول الشيء لم يقتله علما، ونسأل الله الهداية ونرغب إليه في العصمة.
ثمّ إنّا وإن كنّا في زمان هو على ما هو عليه من إحالة الأمور عن جهاتها، وتحويل الأشياء عن حالاتها،، ونقل النفوس عن طباعها، وقلب الخلائق المحمودة إلى أضدادها، ودهر ليس للفضل وأهله لديه إلا الشر صرفا والغيظ بحتا، وإلا ما يدهش عقولهم ويسلبهم معقولهم، حتى صار أعجز الناس رأيا عند الجميع، من كانت له همة في أن
يستفيد علما، أو يزداد فهما، أو يكتسب فضلا، أو يجعل له ذلك بحال شغلا، فإنّ الإلف من طباع الكريم. وإذا كان من حق الصديق عليك، ولا سيّما إذا تقادمت صحبته وصحّت صداقته، أن لا تجفوه بأن تنكبك الأيام، وتضجرك النوائب، وتحرجك محن الزمان، فتتناساه جملة، وتطويه طيّا، فالعلم- الذي هو صديق لا يحول عن العهد، ولا يدغل (?) في الودّ، وصاحب لا يصحّ عليه النّكث والغدر، ولا تظنّ به الخيانة والمكر- أولى منك بذلك وأجدر، وحقّه عليك أكبر.
ثم إن التّوق إلى أن تقرّ الأمور قرارها، وتوضع الأشياء مواضعها، والنّزاع (?) إلى بيان ما يشكل، وحلّ ما ينعقد، والكشف عمّا يخفى، وتلخيص الصّفة حتى يزداد السامع ثقة بالحجة، واستظهارا على الشبهة، واستبانة للدليل، وتبيّنا (?) للسبيل، شيء في سوس (?) العقل، وفي طباع النفس إذا كانت نفسا.
ولم أزل منذ خدمت العلم أنظر فيما قاله العلماء في معنى «الفصاحة»، و «البلاغة»، و «البيان» و «البراعة»، وفي بيان المغزى من هذه العبارات، وتفسير المراد بها، فأجد بعض ذلك كالرمز والإيماء والإشارة في خفاء، وبعضه كالتنبيه على