وقولهم: «أفصح الأعجمي»، و «فصح اللّحّان» و «أفصح الرّجل بكذا»، إذا صرّح به وأنه لو كان وصفهم الكلمات المفردة بالفصاحة من أجل وصف هو لها من حيث هي ألفاظ ونطق لسان، لوجب إذا وجدت كلمة يقال إنها كلمة فصيحة على صفة في اللّفظ؛ أن لا توجد كلمة على تلك الصّفة، إلا وجب لها أن تكون فصيحة، وحتى يجب إذا كانت «فقهت الحديث» بالكسر أفصح منه بالفتح، أن يكون سبيل كلّ فعل مثله في الزّنة أن يكون الكسر فيه أفصح من الفتح.

ثم إنّ فيما أودعه ثعلب كتابه، ما هو أفصح، من أجل أن لم يكن فيه حرف كان فيما جعله أفصح منه، ومثل أنّ «وقفت» أفصح من «أوقفت»، أفترى أنّه حدث في «الواو» و «القاف» و «الفاء» بأن لم يكن معها الهمزة، فضيلة وجب لها أن تكون أفصح؟ وكفى برأي هذا مؤدّاه تهافتا وخطلا! وجملة الأمر أنه لا بدّ لقولنا «الفصاحة» من معنى يعرف، فإن كان ذلك المعنى وصفا في ألفاظ الكلمات المفردة، فينبغي أن يشار لنا إليه، وتوضع اليد عليه.

ومن أبين ما يدلّ على قلة نظرهم، أنه لا شبهة على من نظر في كتاب تذكر فيه «الفصاحة»، أن «الاستعارة» عنوان ما يجعل به «اللفظ» فصيحا، وأن «المجاز» جملته، و «الإيجاز» من معظم ما يوجب للّفظ الفصاحة. وأنت تراهم يذكرون ذلك ويعتمدونه، ثم يذهب عنهم أن إيجابهم «الفصاحة» للفظ بهذه المعاني، اعتراف بصحّة ما نحن ندعوهم إلى القول به، من أنّه يكون فصيحا لمعناه.

أما «الاستعارة»، فإنهم إن أغفلوا فيها الذي قلناه، من أن المستعار بالحقيقة يكون معنى «اللفظ»، واللّفظ تبع، من حيث أنا لا نقول: «رأيت أسدا»، ونحن نعني رجلا، إلّا على أنّا ندّعي أنّا رأينا أسدا بالحقيقة، من حيث نجعله لا يتميّز عن الأسد في بأسه وبطشه وجرأة قلبه فإنهم على كل حال لا يستطيعون أن يجعلوا «الاستعارة» وصفا للّفظ من حيث هو لفظ، مع أن اعتقادهم أنك إذا قلت: «رأيت أسدا»، كنت نقلت اسم «الأسد» إلى «الرجل»، أو جعلته هكذا غفلا ساذجا في معنى شجاع. أفترى أن لفظ «الأسد» لما نقل عن السبع إلى «الرجل» المشبه به، أحدث هذا النقل في أجراس حروفه ومذاقتها وصفا صار بذلك الوصف فصيحا؟

ثم إن من «الاستعارة» قبيلا (?) لا يصحّ أن يكون المستعار فيه «اللفظ» البتّة،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015