خميس بشرق الأرض والغرب زحفه ... وفي أذن الجوزاء منه زمازم (?)

لما جعل «الجوزاء» تسمع على عادتهم في جعل النّجوم تعقل، ووصفهم لها بما يوصف به الأناسيّ أثبت لها «الأذن» التي بها يكون السمع من الأناسيّ.

فأنت الآن لا تستطيع أن تزعم في بيت الحماسة أنّه استعار لفظ «النواجذ» ولفظ «الأفواه»، لأن ذلك يوجب المحال، وهو أن يكون في المنايا شيء قد شبّهه بالنواجذ، وشيء قد شبّهه بالأفواه، فليس إلّا أن تقول: إنه لمّا ادّعى أنّ المنايا تسرّ وتستبشر إذا هو هزّ السيف، وجعلها لسرورها بذلك تضحك أراد أن يبالغ في الأمر، فجعلها في صورة من يضحك حتى تبدو نواجذه من شدة السرور.

وكذلك لا تستطيع أن تزعم أن المتنبي قد استعار لفظ «الأذن»، لأنه يوجب أن يكون في «الجوزاء» شيء قد أراد تشبيهه بالأذن. وذلك من شنيع المحال.

فقد تبيّن من غير وجه أنّ «الاستعارة» إنما هي ادّعاء معنى الاسم للشيء، لا نقل الاسم عن الشيء. وإذا ثبت أنها ادّعاء معنى الاسم للشيء، علمت أن الذي قالوه من «أنها تعليق للعبارة على غير ما وضعت له في اللغة، ونقل لها عمّا وضعت له» كلام قد تسامحوا فيه، لأنه إذا كانت «الاستعارة» ادعاء معنى الاسم، لم يكن الاسم مزالا عما وضع له، بل مقرّا عليه.

واعلم أنك تراهم لا يمتنعون إذا تكلموا في «الاستعارة» من أن يقولوا: «إنه أراد المبالغة فجعله أسدا»، بل هم يلجئون إلى القول به. وذلك صريح في أن الأصل فيها المعنى، وأنه المستعار في الحقيقة، وأن قولنا: «استعير له اسم الأسد»، إشارة إلى أنه استعير له معناه، وأنه جعل إياه.

وذلك أنّا لو لم نقل ذلك، لم يكن «لجعل» هاهنا معنى، لأن «جعل» لا يصلح إلا حيث يراد إثبات صفة للشيء، كقولنا: «جعلته أميرا» و «جعلته لصّا»، تريد أنك أثبت له الإمارة، ونسبته إلى اللصوصية وادّعيتها عليه ورميته بها.

وحكم «جعل»، إذا تعدّى إلى مفعولين، حكم «صيّر»، فكما لا تقول:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015