قيل: ليس الأمر كما ظننت، بل ذلك يقتضي دخول الاستعارة ونظائرها فيما هو به معجز. وذلك لأنّ هذه المعاني التي هي «الاستعارة»، و «الكناية» و «التمثيل»، وسائر ضروب «المجاز» من بعدها من مقتضيات «النظم»، وعنه يحدث وبه يكون، لأنه لا يتصوّر أن يدخل شيء منها في الكلم وهي أفراد لم يتوخّ فيما بينها حكم من أحكام النحو،. فلا يتصوّر أن يكون هاهنا «فعل» أو «اسم» قد دخلته الاستعارة، من دون أن يكون قد ألّف مع غيره، أفلا ترى أنه إن قدّر في «اشتعل» من قوله تعالى:
وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً [مريم: 4]، أن لا يكون «الرأس»، فاعلا له، ويكون «شيبا» منصوبا عنه على التمييز، لم يتصوّر أن يكون مستعارا؟ وهكذا السبيل في نظائر «الاستعارة»، فاعرف ذلك.
واعلم أنّ السبب في أن لم يقع النظر منهم موقعه، أنّهم حين قالوا: «نطلب المزية»، ظنوا أن موضعها «اللفظ» بناء على أن «النظم نظم الألفاظ، وأنه يلحقها دون المعاني،
وحين ظنّوا أنّ موضعها ذلك واعتقدوه، وقفوا على «اللفظ»، وجعلوا لا يرمون بأوهامهم إلى شيء سواه. إلّا أنّهم، على ذاك لم يستطيعوا أن ينطقوا في تصحيح هذا الذي ظنّوه بحرف، بل لم يتكلّموا بشيء إلّا كان ذلك نقضا وإبطالا لأن يكون «اللفظ»، من حيث هو لفظ، موضعا للمزية، وإلا رأيتهم قد اعترفوا، من حيث لم يدروا، بأن ليس للمزية التي طلبوها موضع ومكان تكون فيه، إلّا معاني النحو وأحكامه.
وذلك أنهم قالوا: «إنّ الفصاحة لا تظهر في أفراد الكلمات، وإنّما تظهر بالضّم على طريقة مخصوصة»، فقولهم: «بالضّم»، لا يصح أن يراد به النّطق باللفظة بعد اللفظة، من غير اتّصال يكون بين معنييهما، لأنه لو جاز أن يكون لمجرّد ضمّ اللفظ إلى اللفظ تأثير في الفصاحة، لكان ينبغي إذا قيل: «ضحك، خرج» أن يحدث في ضم «خرج» إلى «ضحك» فصاحة! وإذا بطل ذلك، لم يبق إلا أن يكون المعنى في ضمّ الكلمة إلى الكلمة توخّي معنى من معاني النحو فيما بينهما.
وقولهم: «على طريقة مخصوصة»، يوجب ذلك أيضا، وذلك أنه لا يكون للطريقة إذا أنت أردت مجرّد اللّفظ معنى.
وهذا سبيل كلّ ما قالوه، إذا أنت تأمّلته تراهم في الجميع قد دفعوا إلى جعل المزية في معاني النحو وأحكامه من حيث لم يشعروا، ذلك لأنه أمر ضروريّ لا يمكن الخروج منه.