حتى أتى على آخرها، فلما بلغ مديح رسول الله صلى الله عليه وسلم:

إنّ الرّسول لسيف يستضاء به ... مهنّد من سيوف الله مسلول

في فتية من قريش قال قائل ... ببطن مكّة، لمّا أسلموا: زولوا

زالوا، فما زال أنكاس ولا كشف ... عند اللقاء، ولا ميل معازيل

لا يقع الطّعن إلّا في نحورهم ... وما بهم عن حياض الموت تهليل

شمّ العرانين أبطال، لبوسهم ... من نسج داود في الهيجا، سرابيل (?)

أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحلق أن اسمعوا. قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون من أصحابه مكان المائدة من القوم، يتحلّقون حلقة دون حلقة، فيلتفت إلى هؤلاء وإلى هؤلاء.

والأخبار فيما يشبه هذا كثيرة، والأثر به مستفيض.

وإن زعم أنه ذمّ الشعر من حيث هو موزون مقفّى، حتى كأنّ الوزن عيب، وحتى كأن الكلام إذا نظم نظم الشعر، اتّضع في نفسه، وتغيرت حاله، فقد أبعد، وقال قولا لا يعرف له معنى، وخالف العلماء في قولهم: «إنّما الشّعر كلام فحسنه حسن، وقبيحه قبيح» (?)، وقد روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا أيضا.

فإن زعم أنه إنّما كره الوزن، لأنه سبب، لأن يتغنّى في الشعر ويتلهّى به، فإنّا إذا كنا لم ندعه إلى الشعر من أجل ذلك، وإنما دعوناه إلى اللّفظ الجزل، والقول الفصل، والمنطق الحسن، والكلام البيّن، وإلى حسن التمثيل والاستعارة، وإلى التلويح والإشارة، وإلى صنعة تعمد إلى المعنى الخسيس فتشرّفه، وإلى الضّئيل فتفخّمه، وإلى النّازل فترفعه، وإلى الخامل فتنوّه به، وإلى العاطل (?) فتحلّيه، وإلى المشكل فتجلّيه، فلا متعلّق له علينا بما ذكر، ولا ضرر علينا فيما أنكر، فليقل في الوزن ما شاء،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015