الألفاظ المفردة التي هي أوضاع اللغة، قد حدث في مذاقة حروفها وأصدائها أوصاف لم تكن، لتكون تلك الأوصاف فيها قبل نزول القرآن، وتكون قد اختصّت في أنفسها بهيئات وصفات يسمعها السامعون عليها إذا كانت متلوّة في القرآن، لا يجدون لها تلك الهيئات والصفات خارج القرآن.
ولا يجوز أن تكون في «معاني الكلم المفردة»، التي هي لها بوضع اللغة، لأنّه يؤدي إلى أن يكون قد تجدّد في معنى «الحمد» و «الرب»، ومعنى «العالمين» و «الملك» و «اليوم» و «الدين»، وهكذا، وصف لم يكن قبل نزول القرآن. وهذا ما لو كان هاهنا شيء أبعد من المحال وأشنع لكان إيّاه.
ولا يجوز أن يكون هذا الوصف في «ترتيب الحركات والسّكنات»، حتى كأنهم تحدّوا إلى أن يأتوا بكلام تكون كلماته على تواليه في زنة كلمات القرآن، وحتّى كأنّ الذي بان به القرآن من الوصف في سبيل بينونة بحور الشعر بعضها من بعض، لأنّه يخرج إلى ما تعاطاه مسيلمة من الحماقة في: «إنا أعطيناك الجماهر، فصلّ لربّك وجاهر»، «والطاحنات طحنا».
وكذلك الحكم إن زعم زاعم «أن الوصف الذي تحدّوا إليه هو أن يأتوا بكلام يجعلون له مقاطع، وفواصل، كالذي تراه في القرآن»، لأنّه أيضا ليس بأكثر من التّعويل على مراعاة وزن. وإنما الفواصل في الآي كالقوافي في الشّعر، وقد علمنا اقتدارهم على القوافي كيف هو، فلو لم يكن التحدّي إلّا إلى فصول من الكلام يكون لها أواخر أشباه القوافي، لم يعوزهم ذلك، ولم يتعذّر عليهم. وقد خيّل إلى بعضهم- إن كان الحكاية صحيحة- شيء من هذا، حتى وضع على ما زعموا فصول كلام أواخرها كأواخر الآي، مثل «يعلمون» و «يؤمنون» وأشباه ذلك.
ولا يجوز أن يكون الإعجاز بأن لم يلتق في حروفه ما يثقل على اللسان.
وجملة الأمر أنه لن يعرض هذا وشبهه من الظنون لمن يعرض له إلا من سوء المعرفة بهذا الشّأن، أو للخذلان، أو لشهوة الإغراب في القول. ومن هذا الذي يرضى من نفسه أن يزعم أنّ البرهان الذي بان لهم، والأمر الذي بهرهم، والهيبة التي ملأت صدورهم، والرّوعة التي دخلت عليهم فأزعجتهم حتى قالوا: إنّ له لحلاوة، وإنّ عليه لطلاوة، وإنّ أسفله لمعذق، وإنّ أعلاه لمثمر» (?)، إنّما كان لشيء راعهم من مواقع