أن تغيّر من لفظه شيئا، أو تحوّل كلمة عن مكانها إلى مكان آخر، وهو الذي وسّع مجال التأويل والتفسير، حتى صاروا يتأوّلون في الكلام الواحد تأويلين أو أكثر، ويفسّرون البيت الواحد عدّة تفاسير. وهو، على ذاك، الطريق المزلّة الّذي ورّط كثيرا من الناس في الهلكة، وهو مما يعلم به العاقل شدّة الحاجة إلى هذا العلم، ويكشف معه عوار الجاهل به، ويفتضح عنده المظهر الغنى عنه. ذاك لأنه قد يدفع إلى الشيء لا يصحّ إلا بتقدير غير ما يريه الظاهر، ثم لا يكون له سبيل إلى معرفة ذلك التقدير إذا كان جاهلا بهذا العلم، فيتسكّع عند ذلك في العمى، ويقع في الضلال.
مثال ذلك أنّ من نظر إلى قوله تعالى: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى [الإسراء: 110]، ثمّ لم يعلم أن ليس المعنى في «ادعوا» الدّعاء، ولكن الذّكر بالاسم، كقولك: «هو يدعى زيدا» و «يدعى الأمير»، وأنّ في الكلام محذوفا، وأن التقدير: قل ادعوه الله، أو ادعوه الرحمن، أيّا ما تدعو فله الأسماء الحسنى كان بعرض أن يقع في الشّرك، من حيث أنه إن جرى في خاطره أن الكلام على ظاهره، خرج ذلك به، والعياذ بالله تعالى، إلى إثبات مدعوّين، تعالى الله عن أن يكون له شريك. وذلك من حيث كان محالا أن تعمد إلى اسمين كلاهما اسم شيء واحد، فتعطف أحدهم على الآخر، فتقول مثلا: «ادع لي زيدا أو الأمير»، و «الأمير» هو زيد. وكذلك محال أن تقول: «أيّا ما تدعوا» وليس هناك إلا مدعوّ واحد، لأن من شأن «أيّ» أن تكون أبدا واحدا من اثنين أو جماعة، ومن ثمّ لم يكن له بدّ من الإضافة، إمّا لفظا وإمّا تقديرا.
وهذا باب واسع. ومن المشكل فيه قراءة من قرأ: وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ [التوبة: 30]، بغير تنوين. وذلك أنهم قد حملوها على وجهين:
أحدهما: أن يكون القارئ له أراد التنوين ثم حذفه لالتقاء الساكنين، ولم يحرّكه، كقراءة من قرأ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. اللَّهُ الصَّمَدُ [الإخلاص: 1 - 2]، بترك التنوين من «أحد»، وكما حكي عن عمارة بن عقيل أنه قرأ: وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ [يس: 40]، بالنصب، فقيل له: ما تريد؟ فقال: أريد سابق النّهار. قيل:
فهلّا قلته؟ فقال: فلو قلته لكان أوزن وكما جاء في الشعر من قوله: [من المتقارب]
فألفيته غير مستعتب ... ولا ذاكر الله إلّا قليلا (?)