فإن قلت: إن سبب ذلك أن «أحدا» لا يقع إلّا في النّفي وما يجري مجرى النفي من النهي والاستفهام، وأن «من» المزيدة في «ما من إله إلّا الله»، كذلك لا تكون إلّا في النفي.

قيل: ففي هذا كفاية، فإنه اعتراف بأن ليسا سواء، لأنهما لو كانا سواء لكان ينبغي أن يكون في «إنّما» من النّفي مثل ما يكون في «ما» و «إلّا» وكما وجدت «إنما» لا تصلح فيما ذكرنا، كذلك تجد «ما» و «إلّا» لا تصلح في ضرب من الكلام قد صلحت فيه «إنما، وذلك في مثل قولك: «إنما هو درهم لا دينار»، لو قلت: «ما هو إلّا درهم لا دينار»، لم يكن شيئا. وإذ قد بان بهذه الجملة أنهم حين جعلوا «إنما» في معنى «ما» و «إلا»، لم يعنوا أن المعنى فيهما واحد على الإطلاق، وأن يسقطوا الفرق فإني أبيّن لك أمرهما، وما هو أصل في كل واحد منهما، بعون الله وتوفيقه.

اعلم أن موضع «إنما» على أن تجيء لخبر لا يجهله المخاطب ولا يدفع صحّته، أو لما ينزّل هذه المنزلة.

تفسير ذلك أنّك تقول للرجل: «إنّما هو أخوك» و «إنما هو صاحبك القديم»:

لا تقوله لمن يجهل ذلك ويدفع صحّته، ولكن لمن يعلمه ويقرّ به، إلّا أنك تريد أن تنبّهه للذي يجب عليه من حقّ الأخ وحرمة الصاحب، ومثله قوله: [من الخفيف]

إنّما أنت والد، والأب القا ... طع أحنى من واصل الأولاد (?)

لم يرد أن يعلم كافورا أنه والد، ولا ذاك مما يحتاج كافور فيه إلى الإعلام، ولكنه أراد أن يذكّره منه بالأمر المعلوم ليبني عليه استدعاء ما يوجبه كونه بمنزلة الوالد.

ومثل ذلك قولهم: «إنّما يعجل من يخشى الفوت»، وذلك أن من المعلوم الثابت في النفوس أنّ من لم يخش الفوت لم يعجل.

ومثاله من التنزيل قوله تعالى: إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ [الأنعام:

36]، وقوله عزّ وجلّ: إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ، وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ [يس:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015