للسائل ظنّ في المسئول عنه على خلاف ما أنت تجيبه به. فأمّا أن يجعل مجرّد الجواب أصلا فيه فلا، لأنه يؤدي إلى أن لا يستقيم لنا إذا قال الرجل: «كيف زيد؟» أن تقول: «صالح»، وإذا قال: «أين هو؟» أن تقول: «في الدار» - وأن لا يصح حتّى تقول: «إنه صالح»، «إنّه في الدار»، وذلك ما لا يقوله أحد.
وأمّا جعلها إذا جمع بينها وبين «اللام» نحو: «إنّ عبد الله لقائم» - للكلام مع المنكر، فجيّد، لأنه إذا كان الكلام مع المنكر، كانت الحاجة إلى التأكيد أشدّ.
وذلك أنك أحوج ما تكون إلى الزيادة في تثبيت خبرك، إذا كان هناك من يدفعه وينكر صحّته، إلّا أنه ينبغي أن يعلم أنه كما يكون للإنكار قد كان من السامع، فإنه يكون للإنكار يعلم أو يرى أنه يكون من السامعين. وجملة الأمر أنك لا تقول: «إنه لكذلك»، حتى تريد أن تضع كلامك وضع من يزع (?) فيه عن الإنكار.
واعلم أنها قد تدخل للدلالة على أن الظّن قد كان منك أيّها المتكلم في الذي كان أنّه لا يكون. وذلك قولك للشيء هو بمرأى من المخاطب ومسمع: «إنّه كان من الأمر ما ترى، وكان منّي إلى فلان إحسان ومعروف، ثمّ أنّه جعل جزائي ما رأيت»، فتجعلك كأنك تردّ على نفسك ظنّك الذي ظننت، وتبيّن الخطأ الذي توهمت.
وعلى ذلك، والله أعلم، قوله تعالى حكاية عن أمّ مريم رضي الله عنها: قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ [آل عمران: 36]، وكذلك قوله عز وجل حكاية عن نوح عليه السلام: قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ [الشعراء: 117]. وليس الذي يعرض بسبب هذا الحرف من الدقائق والأمور الخفيّة، بالشيء يدرك بالهوينا.
ونحن نقتصر الآن على ما ذكرنا، ونأخذ في القول عليها إذا اتّصلت بها «ما».
قال الشيخ أبو علي في «الشّيرازيّات» (?): «يقول ناس من النحويين في نحو قوله تعالى: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ [الأعراف: 33]،