واعلم أنه ليس كلّ ما جاء كناية في إثبات الصفة يصلح أن يحكم عليه بالتناسب.

معنى هذا: أن جعلهم الجود والكرم والمجد يمرض بمرض الممدوح كما قال البحتريّ: [من الطويل]

ظللنا نعود الجود من وعك الّذي ... وجدت، وقلنا اعتلّ عضو من المجد (?)

وإن كان يكون القصد منه إثبات الجود والمجد للممدوح، فإنه لا يصحّ أن يقال إنه نظير لبيت «زياد» كما قلنا ذاك في بيت أبي نواس:

ولكن يصير الجود حيث يصير وغيره مما ذكرنا أنه نظير له كما أنه لا يجوز أن يجعل قوله:

وكلبك أرأف بالزّائرين (?) مثلا، نظيرا لقوله:

مهزول الفصيل وإن كان الغرض منهما جميعا الوصف بالقرى والضيافة، وكانا جميعا كنايتين عن معنى واحد، لأن تعاقب الكنايات على المعنى الواحد لا يوجب تناسبها، لأنه في عروض أن تتّفق الأشعار الكثيرة في كونها مدحا بالشجاعة مثلا أو بالجود أو ما أشبه ذلك. وقد يجتمع في البيت الواحد كنايتان، المغزى منهما شيء واحد، ثم لا تكون إحداهما في حكم النظير للأخرى. مثال ذلك أنه لا يكون قوله: «جبان الكلب» نظيرا لقوله: «مهزول الفصيل»، بل كل واحدة من هاتين الكنايتين أصل بنفسه، وجنس على حدة، وكذلك قول ابن هرمة: [من المنسرح]

لا أمتع العوذ بالفصال ولا ... أبتاع إلّا قريبة الأجل (?)

ليس إحدى كنايتيه في حكم النظير للأخرى، وإن كان المكنيّ بهما عنه واحدا، فاعرفه.

وليس لشعب هذا الأصل وفروعه وأمثلته وصوره وطرقه ومسالكه حدّ ونهاية.

ومن لطيف ذلك ونادره قول أبي تمام: [من الوافر]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015