بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله الكريم المنان، الرحيم الرحمن، ذي الطول والإحسان، الذي علّم القرآن، وخلق الإنسان، فعلمه البيان.
وأصلي وأسلم على النبي العدنان حامل لواء الفصاحة والبيان، وصاحب المقام المحمود بأشرف مكان، المرسل بالهداية والرحمة إلى الإنس والجان.
وبعد؛ فقد كان من توفيق الله وفضله أن قمت بكتابة بعض التعليقات والحواشي على كتاب أسرار البلاغة لأوحد زمانه في علوم البلاغة العالم الجليل الأديب النحوي الفقيه المتكلم أبي بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجاني ت 471 أو 474 هـ، وهو من هو في رسوخ قدمه وعلو مكانته وتقدمه في هذا العلم الذي تناثرت كتابات الناس فيه قبله وكثرت؛ ولكنها على كثرتها كأن لم تكن شيئا بجانب ما صنف، فصار ينسب إليه وحده تأسيس هذا العلم وإقامة فسطاطه لما كانت له اليد الطولى في ضبطه ونصب فسطاطه.
وكان من توفيق الله ومنّه وفضله أن أتم عليّ نعمته بتيسير التعليق على هذا الكتاب الآخر الفذ الذي لم يصنّف مثله في علوم البلاغة وهو كتابنا هذا الموسوم بدلائل الإعجاز، وهو كتاب بديع في بابه، تفرد فيه صاحبه بتأسيس نظرية النظم التي هي عمود الدراسات البلاغية، والتي لولا ما رسمه لها واختطته فيها من علامات هادية للسبيل لضلت خطى الناس من بعده في هذا العلم الضلال المبين.
ولكن يأبى الله الكمال إلا لكتابه فلقد كان يفترض أن يكون هذا الكتاب هو المقدّم لدى دارس البلاغة في العصور التالية لزمان مصنفه، فحال دون ذلك ما جاء عليه الكتاب من عدم ترتيب صاحبه له الترتيب اللائق له، والاعتناء بتقسيم مباحثه، وتبويب أبوابه.
وعذر المصنف في ذلك أنه كان منشغلا بالرد على متكلمي زمانه السابقين له