وإذا كان ذلك كذلك، علم علم الضرورة أن مصرف ذلك إلى دلالات المعاني على المعاني، وأنهم أرادوا أنّ من شرط البلاغة أن يكون المعنى الأوّل الذي تجعله دليلا على المعنى الثاني ووسيطا بينك وبينه، متمكّنا في دلالته، مستقلّا بوساطته، يسفر بينك وبينه أحسن سفارة، ويشير لك إليه أبين إشارة، حتى يخيّل إليك أنك فهمته من حاقّ (?) اللفظ، وذلك لقلة الكلفة فيه عليك، وسرعة وصوله إليك، فكان من «الكناية» مثل قوله: [من المنسرح]
لا أمتع العوذ بالفصال، ولا ... أبتاع إلّا قريبة الأجل (?)
ومن «الاستعارة» مثل قوله: [من الطويل]
وصدر أراح الليل عازب همّه، ... تضاعف فيه الحزن من كلّ جانب (?)
ومن «التمثيل» مثل قوله: [من المديد]
لا أذود الطّير عن شجر ... قد بلوت المرّ من ثمره (?)
إن أردت أن تعرف ما حاله بالضدّ من هذا، فكان منقوص القوّة في تأدية ما أريد منه، لأنه يعترضه ما يمنعه أن يقضي حق السّفارة فيما بينك وبين معناك، ويوضح تمام الإيضاح عن مغزاك، فانظر إلى قول العباس بن الأحنف: [من الطويل]
سأطلب بعد الدّار عنكم لتقربوا ... وتسكب عيناي الدّموع لتجمدا (?)