الخصوصيّة في الشكل، نحو أن يصاغ خاتم على وجه، وآخر على وجه آخر، تجمعهما صورة الخاتم، ويفترقان بخاصّة وشيء يعلم، إلّا أنه لا يعلم منفردا.

ولما كان الأمر كذلك، لم يمكنهم أن يطلقوا اسم المعاني على هذه الخصائص، إذ كان لا يفترق الحال حينئذ بين أصل المعنى، وبين ما هو زيادة في المعنى وكيفية له وخصوصية فيه. فلما امتنع ذلك توصّلوا إلى الدّلالة عليها بأن وصفوا اللّفظ في ذلك بأوصاف يعلم أنها لا تكون أوصافا له من حيث هو لفظ، كنحو وصفهم له بأنه لفظ شريف، وأنه قد زان المعنى، وأنّ له ديباجة، وأن عليه طلاوة، وأن المعنى منه في مثل الوشي، وأنه عليه كالحلي، إلى أشباه ذلك مما يعلم ضرورة أنه يعنى بمثله الصوت والحرف. ثم إنّه لمّا جرت به العادة واستمرّ عليه العرف، وصار الناس يقولون اللفظ واللفظ، لزّ (?) من ذلك بأنفس أقوام باب من الفساد، وخامرهم منه شيء لست أحسن وصفه.

فصل [من دلالة المعنى على المعنى]

ومن الصفات التي تجدهم يجرونها على «اللفظ»، ثم لا تعترضك شبهة ولا يكون منك توقّف في أنها ليست له، ولكن لمعناه، قولهم: «لا يكون الكلام يستحق اسم البلاغة حتى يسابق معناه لفظه، ولفظه معناه، ولا يكون لفظه أسبق إلى سمعك من معناه إلى قلبك»، وقولهم: «يدخل في الأذن بلا إذن»، فهذا مما لا يشكّ العاقل في أنه يرجع إلى دلالة المعنى على المعنى، وأنّه لا يتصوّر أن يراد به دلالة اللفظ على معناه الذي وضع له في اللغة.

ذاك لأنه لا يخلو السامع من أن يكون عالما باللغة وبمعاني الألفاظ التي يسمعها، أو يكون جاهلا بذلك .. فإن كان عالما لم يتصوّر أن يتفاوت حال الألفاظ معه، فيكون معنى لفظ أسرع إلى قلبه من معنى لفظ آخر، وإن كان جاهلا كان ذلك في وصفه أبعد.

وجملة الأمر أنّه إنّما يتصوّر أن يكون لمعنى أسرع فهما منه لمعنى آخر، إذا كان ذلك مما يدرك بالفكر، وإذا كان مما يتجدّد له العلم به عند سمعه للكلام.

وذلك محال في دلالات الألفاظ اللغوية، لأنّ طريق معرفتها التوقيف، والتقدّم بالتعريف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015