معجزته باقية على وجه الدهر، أتعرف له معنى غير أن لا يزال البرهان منه لائحا معرضا لكل من أراد العلم به، وطلب الوصول إليه، والحجة فيه وبه ظاهرة لمن أرادها، والعلم بها ممكنا لمن التمسه؟ فإذا كنت لا تشك في أن لا معنى لبقاء المعجزة بالقرآن إلّا أنّ الوصف الذي له كان معجزا قائم فيه أبدا، وأنّ الطريق إلى العلم به موجود، والوصول إليه ممكن، فانظر أيّ رجل تكون إذا أنت زهدت في أن تعرف حجّة الله تعالى، وآثرت فيه الجهل على العلم، وعدم الاستبانة على وجودها، وكان التقليد فيها أحبّ إليك، والتعويل على علم غيرك آثر لديك، ونحّ الهوى عنك، وراجع عقلك، واصدق نفسك، يبن لك فحش الغلط فيما رأيت، وقبح الخطأ في الذي توهّمت. وهل رأيت رأيا أعجز، واختيارا أقبح، ممّن كره أن تعرف حجة الله تعالى من الجهة التي إذا عرفت منها كانت أنور وأبهر، وأقوى وأقهر، وآثر أن لا يقوى سلطانها على الشّرك كلّ القوة، ولا تعلو على الكفر كل العلوّ؟ والله المستعان.
لا يخلو من كان هذا رأيه من أمور:
أحدها: أن يكون رفضه وذمّه إياه من أجل ما يجده فيه من هزل أو سخف، وهجاء وسبّ وكذب وباطل على الجملة.
والثاني: أن يذمّه لأنه موزون مقفّى، ويرى هذا بمجرّده عيبا يقتضي الزّهد فيه والتّنزّه عنه (?).
والثالث: أن يتعلّق بأحوال الشعراء وأنها غير جميلة في الأكثر، ويقول: قد ذمّوا في التنزيل.
وأيّ كان من هذه رأيا له، فهو في ذلك على خطأ ظاهر وغلط فاحش، وعلى خلاف ما يوجبه القياس والنّظر، وبالضّد مما جاء به الأثر، وصحّ به الخبر.
أمّا من زعم أنّ ذمّه له من أجل ما يجد فيه من هزل وسخف وكذب وباطل،