لأنه بإيثارهم الجهل بذلك على العلم، في معنى الصادّ عن سبيل الله، والمبتغي إطفاء نور الله تعالى.
وذاك أنّا إذا كنّا نعلم- أن الجهة التي منها قامت الحجة بالقرآن وظهرت، وبانت وبهرت، هي أن كان على حدّ من الفصاحة تقصر عنه قوى البشر، ومنتهيا إلى غاية لا يطمح إليها بالفكر، وكان محالا أن يعرف كونه كذلك، إلّا من عرف الشّعر الذي هو ديوان العرب، وعنوان الأدب، والذي لا يشكّ أنّه كان ميدان القوم إذا تجاروا في الفصاحة والبيان، وتنازعوا فيهما قصب الرّهان، ثم بحث عن العلل التي بها كان التباين في الفضل، وزاد بعض الشعر على بعض- كان الصّادّ (?) عن ذلك صادّا عن أن تعرف حجة الله تعالى، وكان مثله مثل من يتصدّى للناس فيمنعهم عن أن يحفظوا كتاب الله تعالى ويقوموا به ويتلوه ويقرءوه، ويصنع في الجملة صنيعا يؤدّي إلى أن يقلّ حفّاظه والقائمون به والمقرءون له. ذاك لأنّا لم نتعبّد بتلاوته وحفظه، والقيام بأداء لفظه على النّحو الذي أنزل عليه، وحراسته من أن يغيّر ويبدّل، إلّا لتكون الحجة به قائمة على وجه الدهر، تعرف في كل زمان، ويتوصّل إليها في كل أوان، ويكون سبيلها سبيل سائر العلوم التي يرويها الخلف عن السّلف، ويأثرها الثاني عن الأوّل، فمن حال بيننا وبين ما له كان حفظنا إيّاه، واجتهادنا في أن نؤدّيه ونرعاه، كان كمن رام أن ينسيناه جملة ويذهبه من قلوبنا دفعة، فسواء من منعك الشيء الذي تنتزع منه الشاهد والدليل، ومن منعك السبيل إلى انتزاع تلك الدلالة، والاطّلاع على تلك الشهادة، ولا فرق بين من أعدمك الدواء الذي تستشفى به من دائك، وتستبقي به حشاشة نفسك، وبين من أعدمك العلم بأنّ فيه شفاء، وأنّ لك فيه استبقاء.
فإن قال منهم قائل: إنك قد أغفلت فيما رتّبت، فإنّ لنا طريقا إلى إعجاز القرآن غير ما قلت، وهو علمنا بعجز العرب عن أن يأتوا بمثله وتركهم أن يعارضوه، مع تكرار
التّحدّي عليهم، وطول التقريع لهم بالعجز عنه (?). ولأن الأمر كذلك، ما (?) قامت به الحجّة على العجم قيامها على العرب، واستوى الناس قاطبة، فلم يخرج الجاهل بلسان العرب من أن يكون محجوجا بالقرآن.
قيل له: خبرنا عما اتّفق عليه المسلمون من اختصاص نبيّنا صلى الله عليه وسلم بأن كانت