[البقرة: 1 - 2] قوله: «لا ريب فيه»، بيان وتوكيد وتحقيق لقوله «ذلك الكتاب»، وزيادة تثبيت له، وبمنزلة أن تقول: «هو ذلك الكتاب، هو ذلك الكتاب»، فتعيده مرة ثانية لتثبته، وليس يثبت الخبر غير الخبر، ولا شيء يتميّز به عنه فيحتاج إلى ضامّ يضمّه إليه، وعاطف يعطفه عليه.

ومثل ذلك قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ. خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ [البقرة: 6 - 7] قوله تعالى: لا يُؤْمِنُونَ، تأكيد لقوله سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ، وقوله: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ، تأكيد ثان أبلغ من الأوّل، لأن من كان حاله إذا أنذر مثل حاله إذا لم ينذر، كان في غاية الجهل، وكان مطبوعا على قلبه لا محالة.

وكذلك قوله عزّ وجلّ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ [البقرة: 8 - 9]، إنّما قال: «يخادعون» ولم يقل:

«ويخادعون» لأن هذه المخادعة ليست شيئا غير قولهم: «آمنّا»، من غير أن يكونوا مؤمنين، فهو إذن كلام أكّد به كلام آخر هو في معناه، وليس شيئا سواه.

وهكذا قوله عزّ وجلّ: وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ [البقرة: 14]، وذلك لأن معنى قولهم: «إنّا معكم»: إنّا لم نؤمن بالنبيّ صلى الله عليه وسلّم ولم نترك اليهوديّة. وقولهم: إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ، خبر بهذا المعنى بعينه، لأنه لا فرق بين أن يقولوا: «إنّا لم نقل ما قلناه من أنا آمنا إلّا استهزاء»، وبين أن يقولوا: «إنّا لم نخرج من دينكم وإنّا معكم»، بل هما في حكم الشيء الواحد، فصار كأنهم قالوا: «إنا معكم لم نفارقكم» فكما لا يكون «إنّا لم نفارقكم» شيئا غير «إنّا معكم»، كذلك لا يكون «إنّما نحن مستهزءون» غيره، فاعرفه.

ومن الواضح البيّن في هذا المعنى قوله تعالى: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً [لقمان: 7]، لم يأت معطوفا نحو «وكأنّ في أذنيه وقرا»، لأنّ المقصود من التشبيه بمن في أذنيه وقر، هو بعينه المقصود من التشبيه بمن لم يسمع، إلّا أنّ الثاني أبلغ وآكد في الذي أريد. وذلك أن المعنى في التشبيهين جميعا أن ينفي أن يكون لتلاوة ما تلي عليه من الآيات فائدة معه، ويكون لها تأثير فيه، وأن يجعل حاله إذا تليت عليه كحاله إذا لم تتل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015