وكما يقال: «جاد حتى كأن لم يعرف لأحد جود، وحتّى كأن قد كذب الواصفون الغيث بالجود»، كما قال: [من البسيط]
أعطيت حتّى تركت الرّيح حاسرة ... وجدت حتّى كأنّ الغيث لم يجد (?)
هذا فصل في «الذي» خصوصا
اعلم أن لك في «الذي» علما كثيرا، وأسرارا جمّة، وخفايا إذا بحثت عنها وتصوّرتها اطلعت على فوائد تؤنس النفس وتثلج الصدر بما يفضي بك إليه من اليقين، ويؤدّيه إليك من حسن التبيين.
والوجه في ذلك أن تتأمّل عبارات لهم فيه لم وضع، ولأيّ غرض اجتلب، وأشياء وصفوه بها. فمن ذلك قولهم: «إنّ الذي» اجتلب ليكون وصلة إلى وصف المعارف بالجمل (?)، كما اجتلب «ذو» ليتوصّل به إلى الوصف بأسماء الأجناس»، يعنون بذلك أنك تقول: «مررت بزيد الذي أبوه منطلق» و «بالرجل الذي كان عندنا أمس»، فتجدك قد توصّلت ب «الذي» إلى أن أبنت زيدا من غيره، بالجملة التي هي «أبوه منطلق» ولولا «الذي» لم تصل إلى ذلك كما أنك تقول: «مررت برجل ذي مال» فتتوصّل ب «ذي» إلى أن تبين الرجل من غيره بالمال، ولولا «ذو» لم يتأتّ لك ذلك، إذ لا تستطيع أن تقول: «برجل مال» فهذه جملة مفهومة؟ إلا أن تحتها خبايا تحتاج إلى الكشف عنها. فمن ذلك أن تعلم من أين امتنع أن توصف المعرفة بالجملة، ولم لم يكن حالها في ذلك حال النّكرة التي تصفها بها في قولك: «مررت برجل أبوه منطلق»: و «رأيت إنسانا تقاد الجنائب (?) بين يديه».
وقالوا: إنّ السبب في امتناع ذلك: أنّ الجمل نكرات كلّها، بدلالة أنها