ليس الأمر بالصّلة هو النّهي عن القطيعة؟ قل: أو ما علمت أن الكناية والتعريض لا يعملان في العقول عمل الإفصاح والتكشيف» (?).
انتهى الفصل الذي أردت أن أكتبه. فقد بصّرك هذا أن لن يكون إيقاع نفي الوجود على صريح لفظ المثل، كإيقاعه على ضميره.
وإذ قد عرفت هذا، فإنّ هذا المعنى بعينه قد أوجب في بيت ذي الرّمة أن يضع اللفظ على عكس ما وضعه البحتري (?)، فيعمل الأول من الفعلين، وذلك قوله: [من الوافر]
ولم أمدح لأرضيه بشعري ... لئيما، أن يكون أصاب مالا (?)
أعمل «لم أمدح»، الذي هو الأول، في صريح لفظ «اللئيم»، و «أرضى»، الذي هو الثاني، في ضميره. وذلك لأن إيقاع نفي المدح على اللّئيم صريحا، والمجيء به مكشوفا ظاهرا، هو الواجب من حيث كان أصل الغرض، وكان الإرضاء تعليلا له. ولو أنه قال: «ولم أمدح لأرضي بشعري لئيما»، لكان يكون قد أبهم الأمر فيما هو الأصل، وأبانه فيما ليس بالأصل، فاعرفه.
ولهذا الذي ذكرنا من أن للتّصريح عملا لا يكون مثل ذلك العمل للكناية، كان لإعادة اللفظ في مثل قوله تعالى: وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ [الإسراء:
105]، وقوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. اللَّهُ الصَّمَدُ [الإخلاص: 1 - 2]، من الحسن والبهجة، ومن الفخامة والنّبل، ما لا يخفى موضعه على بصير. وكان لو ترك فيه الإظهار إلى الإضمار فقيل: «وبالحق أنزلناه وبه نزل»: و «قل هو الله أحد هو الصمد» لعدمت الذي أنت واجده الآن.