فصل- الرد على من يقول: الفصاحة للفظ وتلاؤم الحروف:
49 - وهذه شُبهةٌ أُخرى ضعيفةٌ، عسى أن يتعلَّقَ بها مُتعلِّقٌ ممَّن يُقْدم على القولِ من غيرِ رويّةٍ: وهي أنْ يَدَّعي أنْ لا معنى للفصاحة سِوى التلاؤمِ اللَّفظيّ، وتعديلِ مِزَاجِ الحُروفِ حتى لا يتلاقى في النُّطقِ حروفٌ تَثْقلُ على اللسَان، كالذي أنَشْدَه الجاحظ من قول الشاعر:
وقَبْرَ حَرْبٍ بمكانٍ قَفْرِ ... وليسَ قُرْبَ قبرِ حرب قبر1
وقول ابن يسير2:
لا أُذِيل الآمالَ بَعدك إنِّي ... بَعْدَها بالآمالِ جدُّ بخيلِ
كَمْ لَهَا موقفاً ببابِ صديقٍ ... رجَعتْ مِنْ نَداه بالتعطيلِ
لَمْ يَضِرْها والحمدُ للهِ شيءٌ ... وانثنتْ نحْوَ عَزْفِ نَفْسٍ ذَهُول3
قال الجاحظُ: فتفقَّدِ النِّصْفَ الأخيرَ من هذا البيت فإِنك ستجدُ بعضَ ألفاظه يتبرَّأ من بعضٍ"4 ويُزعمُ أنَّ الكلامَ في ذلك على الطبقات فمنه المُتناهي في الثِّقَل المفرطُ فيه، كالذي مَضَى، ومنه ما هو أَخَفُّ منه كقولِ أبي تمام: