فإذا رأوا التنكير يكون فيما لا يصحى منَ المواضِعِ ثم لا يَقْتضي فَضْلاً، ولا يُوجِبُ مزيةً، اتَّهمونا في دَعْوانا ما ادَّعيناه لتنكير الحياة في قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179]، من أنَّ له حُسْناً ومزيةً، وأنَّ فيه بلاغة عَجيبة، وظَنُّوه وهْماً منَّا وتخيُّلاً.
ولسنا نَستطيعُ في كشْفِ الشُبهة في هذا عنهم، وتصويرِ الذي هو الحقُّ عندهم، ما استطعناهُ في نَفْس النظْم، لأنَّا ملَكْنا في ذلك أن نَضْطرَّهم إلى أن يَعْلموا صحَّةَ ما نقولُ. وليس الأمرُ في هذا كذلك، فليس الداءُ فيه بالهيِّن، ولا هو بحيثُ إذا رُمْتَ العلاجَ منه وجدتَ الإمكانَ فيه مع كلِّ أحدٍ مُسْعِفاً، والسعيَ مُنْجِحاً، لأنَّ المزايا التي تحتاجُ أن تُعْلِمَهم مكانَها وتصورَ لهم شأنها، أمور خفيفة، ومعان روحاية، أنتَ لا تستطيعُ أن تُنَبِّه السامِعَ لها، وتحدث له علمًا بها، حتى يكون مهيئًا لإدراكها، وتكونَ فيه طبيعةٌ قابلةٌ لها، ويكونَ له ذوق وقريجة يَجِدُ لهما في نفسه إحساساً بأنَّ مِن شأن هذه الوجوه والفروق أن تعرض فيه المزية على الجملة ومن إذا تصفَّح الكلامَ وتدبَّر الشعرَ، فرَّقَ بين موقع شيء منها وشيء، ومن إذا أنشدته قوله:
لي منْكَ ما للنَّاس كلِّهِمُ ... نَظَرٌ وتَسليمٌ على الطرق1