واستخْرَجَه، وإنه الذي غاصَ عليه بفِكْرِهِ، وإنه أبو عُذْرِه، لم تَجدْ تلك المعانيَ في الأمر الأَعمِّ شيئاً غيرَ الخَبر الذي هو إثبات المعنى للشيء ونفيه عنه. ويدلك على ذلك أنك لا تنظر إلى شيءٍ من المعاني الغريبةِ التي تخْتَصُّ بقائلٍ دونَ قائل1، إلاَّ وجدتَ الأَصْل فيه والأَساسَ الإثباتَ والنَّفْيَ. وإن أردْتَ في ذلك مثالاً فانظرْ إلى بيتِ الفرزدق:
وما حملَتْ أم أمرئ في ضُلوعها ... أعقَّ منَ الجاني عَليها هِجائيا
فإنَّك إذا نظَرْتَ لم تَشُكَّ في أنَّ الأصْل والأساسَ هو قولُه: "وما حملتْ أُمُّ امرئ"، وأنَّ ما جاوزَ ذلك مِنَ الكلمات إلى آخر البيتِ، مستَنِدٌ إليه ومبنيٍّ عليه2، وأنك إنْ رفعتَهُ لم تجِدْ لشيءٍ منها بَياناً، ولا رأيتَ لذِكْرها مَعنى، بل تَرى ذِكْرك لها إن ذكَرْتَها هَذَياناً. والسبَبُ الذي مِنْ أجْله كان كذلك، أنَّ مِنْ حُكْم كل ما عدا جزئي الجملة "الفعل والفاعل" و "المبتدأ والخبر"، أن يكون تخصيصًا للمعنى المثبت أو المنفي3، فقولُه: "في ضلوعِها"، يُفيدُ أولاً أنه لم يُرِدْ نفْيَ الحَمْلَ على الإِطلاق، ولكنِ الحَمْلَ في الضلوع، وقولهُ: "أعقَّ"، يُفيد أنه لم يُرِد هذا الحَمْلَ الذي هو حَملٌ في الضلوع أيضاً على الإِطلاق، ولكنْ حمْلاً في الضلوع محمولهُ أعقُّ من الجاني عليها هجاءه. وإِذا كان ذلك كلُّه تخصيصاً للحَمْل، لم يُتصوَّر أن يُعْقَل من دون أن يُعْقَلَ نفي الحمل، لأنه لا يتصور