لنا علم بهذه الأجناس ولو لم يكونوا وضعوا أمثلة الأفعال لما كان لنا علم بمعانيها1 حتى لو لم يكونوا قالوا: "فعل" و "يفعل"، لمَا كنَّا نَعْرِفُ الخبرَ في نفسه ومن أصلِه ولو لم يكونوا قَدْ قالوا: "إفْعَل"، لمَا كنَّا نَعرِفُ الأمرَ مِنْ أَصْله، ولا نَجده في نفوسِنا وحتى لو لم يكونوا قد وَضَعوا الحروفَ، لكنَّا نَجْهلُ معانيهَا، فلا نعقلُ نَفْياً ولا نَهْياً ولا استفهاماً ولا استثناء. كيف؟ والمواضَعةُ لا تكونُ ولا تُتصوَّرُ إلاَّ على مَعْلوم، فمحالٌ أن يُوضَع اسْمٌ أو غيرُ اسم لغير معلوم، أن المواضَعةَ كالإِشارة، فكما أنكَ إذا قلتَ: "خذْ ذاك"، لم تكُنْ هذه الإشارةُ لتَعرِّفِ السامعَ المشارَ إليه في نفسِه، ولكن ليعلمَ أنه المقصود من بين سائر الأشياء التي نراها ونبصرها. كذلك حكْمُ "اللفظِ" مع ما وُضِعَ له. ومَن هذا الذي يَشُكُّ أَنَّا لم نَعْرِف "الرجل~" و "الفرس" و "الضرب" و "القتل" إلاَّ مِن أَساميها؟ 2 لو كان لذلكَ مَساغٌ في العقل، لكان ينبغي إِذا قيل: "زيد" أن تَعْرِفَ المسمَّى بهذا الاسمِ من غَير أن تكونَ قد شاهدْتَه أو ذُكِرَ لك بصفة.
635 - وإذا قلنا في العلم باللغات من متبدأ الأمر أنه كان إلهامًا3، فإن الإلهام لا يَرجِعُ إلى معاني اللغات4، ولكنْ إلى كون ألفاظ اللغات سمات