إلى اللفظ، لم تجد شيئًا يحيل في وجوبه عليه البتةَ1، اللهُمَّ إلاَّ أَنَّ يَجْعل الإعجازَ في الوزن، ويَزْعُمَ أنَّ "النَسقَ" الذي تراه في ألفاظ القرآنِ إنما كان معْجِزاً، من أجْل أنْ كان قد حَدث عنه ضربٌ من الوزن يُعجِز الخلقَ عن أنْ يأْتوا بمثله.
وإذا قال ذلك، لم يُمْكِنْه أنْ يقولَ: "إنَّ التحدِّيَ، وقَع إلى أن يأْتوا بمثلِهِ في فصاحَتِه وبلاغَتِه"، لأن الوزن ليس هو في الفصاحة والبلاغة في شيء، إذا لو كان له مَدْخَلٌ فيهما، لكانَ يَجبُ في كل قصيدتين افتقتا في الوزن أن تنفقا في الفصاحة والبلاغةِ.
فإن دعا بعضُ الناس طوال الإِلْفِ لِمَا سَمعَ من أَنَّ الإعجازَ في اللفظ إلى أَنْ يَجْعلَه في مجرَّدِ الوزْنِ، كان قد دَخَل في أمرٍ شنيعٍٍ، وهو أنَه يكونُ قد جَعلَ القرآنَ مُعجِزاً، لا مِن حيثُ هو كلامٌ، ولا بما به كان لِكَلامٍ فضْلٌ على كلامٍ فليسَ بالوزْنِ ما كان الكَلامُ كلاماً، ولا به كان كلامٌ خَيراً من كلام.
سهولة "اللفظ" وخفته في شأن إعجاز القرآن:
557 - وهكذا السبيلُ إنْ زعَم زاعِمٌ أنَّ الوصفَ المعجزَ هو "الجَرَيانُ والسهولَةُ"، ثم يعني بذلك سلامَتَهُ من أن تلتقيَ فيه حروفٌ تَثْقُل على اللسان، لأنه ليس بذلك كان الكلامُ كلاماً، ولا هو بالذي يتنَاهى أَمرُه إنْ عُدَّ في الفضيلةِ إلى أن يكونَ الأَصْلَ، وإلى أن يكونَ المعَّولَ عليه في المفاضَلةِ بين كلامٍ وكلامٍ، فما به كان الشاعرُ مفلقًا، والخطيب مصقعًا، والكاتب بليغًا.