"الاستعارة"، تكون في معنى "اللفظ":
543 - ومن أَبْيَن ما يَدلُّ على قلةِ نَظَرِهم، أَنه لا شبْهةَ على مَن نَظَر في كتابٍ تُذْكَر فيه "الفصاحةُ"، أنَّ "الاستعارةَ" عنوانُ ما يُجْعَلُ به "اللفظُ" فصيحاً، وأن "المجازَ" جملته، و "الإيجاز" مِن مُعْظم ما يُوجِبُ لِلََّفظِ الفصاحةَ. وأنتَ تراهم يذكرون ذلك يعتمدونه، ثم يَذْهَبُ عنهم أنَّ إيجابَهم "الفصاحةَ" لِلَّفْظِ بهذه المعاني، اعترافٌ بصحةِ ما نحن نَدْعوهم إلى القولِ به، من أَنه يكونَ فصيحاً لمعناه.
أمَّا "الاستعارةُ"، فإِنهم إنْ أَغْفَلوا فيها الذي قلنا، من أَنَّ المستعارَ بالحقيقةِ يكونُ معنى "اللفظِ"، واللفظُ تِبْعٌ، مِنْ حيثُ إنَّا لا نَقول: "رأيتُ أَسداً"، ونحنُ نَعْني رَجُلاً، إلاَّ على أنَّا ندَّعي أَنَّا رأينا أَسداً بالحقيقة، من حيثُ نَجْعلُه لا يتميزُ عن الأَسد في بأسه وبطشه وجزأه قلْبه فإِنهم على كلِّ حال لا يستطيعون أنْ يَجعلوا "الاستعارةَ" وصْفاً لِلَّفظِ مِن حيثُ هو لفظٌ، مع أَّنَّ اعتقادَهم أَنك إذا قلتَ: "رأيتُ أسداً"، كنتَ نقلْتَ اسْمَ "الأسدِ" إلى "الرجُلِ" أوْ جعلْتَه هكذا غُفْلاً ساذَجاً في معنى شجاعٍ. افتَرى أنَّ لفظَ "الأسدِ" لمَّا نُقِل عن السَّبُع إلى "الرجُلِ" المشبَّه به، أحدثَ هذا النقلُ في أجراسِ حروفهِ ومذاقَتِها وصْفاً صارَ بذلك الوصْفِ فصيحاً؟
544 - ثم إنَّ من "الاستعارَة" قَبيلاً لا يَصِحُّ أنْ يكونَ المستعارُ فيه "اللفظَ" البتَّةَ، ولا يصِحُّ أن تَقعَ الاستعارةُ فيه إلاَّ على المعنى، وذلك ما كان مثْلَ "اليد" في قول لبيد:
وغداة ربح قد كشفت وقرة ... إذا أصبحت بيد الشمال زمامها1