فقلتَ1: "رأيتُ رجُلاً مساوياً للأسد في الشجاعةِ، وبحيثُ لولا صورتُه لظنْنتَ أنكَ رأيتَ أسداً"، وما شاكلَ ذلك من ضروبِ المبالغة أنْ تَجِد لكلامِكَ المزيةَ التي تَجدُها لقولك: "رأيتُ أسداً". وليس يَخْفى على عاقلٍ أنَّ ذلكَ لا يكونُ.
531 - فإنْ قال قائلٌ: إنَّ المزيَّة من أجْلِ أَنَّ المساواةَ تُعْلَم في "رأيتُ أسداً" من طريقِ المعنى، وفي "رأيتُ رجلاً مساوياً للأسد" من طريقِ اللفظِ.
قيلَ: قد قلنا فيما تَقدَّم2، إنه محالٌ أن يتغيَّر حالُ المعنى في نفسه، بأنْ يكَنَّى عنه بمعنىً آخر، وأنه لا يُتصوَّر أنْ يتغيَّر معنى طولِ القامة بأن يكنى عنه بطول النِجاد، ومعنى كثرةِ القِرى بأنْ يكنَّى عنه بكثرةِ الرماد. وكما أنَّ ذلك لا يُتصوَّر، فكذلكَ لا يُتصوَّر أن يتغيَّر معنى مساواةٍ الرجلِ الأسدَ في الشجاعةِ، بأن يُكنَّى عن ذلك ويُدَلَّ عليه بأن تَجْعَله "أسداً". فأنتَ الآن إذا نظرت إلى قوله:
فأسبلت لولؤا من نرجس وسقت ... وردًا وغضت على العُنَّابِ بالبَرَدِ3
فرأيته قد أفادَكَ أنَّ "الدمع" كان لا يحرم من شبه الؤلؤ،