ولا يكونُ هذا الذي ذكرتُ أنه سببُ فضلِ المفسَّر على التفسير، من كونِ الدلالة في المفسَّر دلالةَ معنى على معنى، وفي التفسير دلالةَ لفظ على معنى1، حتى يكون لِلَّفظِ المفسَّر معنىً معلومٌ يَعرِفُه السامعُ، وهو غيرُ معنى لفظِ التفسير في نفسِه وحقيقتِه، كما تَرى من أنَّ الذي هو معنى اللفظ في قولهم: "هو كثيرُ رمادِ القدر"، غيرُ الذي هو معنى اللفظ في قولهم: "هو كثيرُ القِرى"، ولو لم يكن كذلك، لم يُتصوَّر أن يكون ههنا دلالة معنى على معنى.
525 - وإذا قد عرَفْتَ هذه الجملة، فقد حصَل لنا منها أنَّ المفسَّر يكون له دلالتانِ: دلالةُ اللفظِ على المعنى، ودلالةُ المعنى الذي دلَّ اللفظُ عليه على معنى لَفْظٍ آخَرَ ولا يكونُ للتفسيرِ إلاَّ دلالةٌ واحدةٌ، وهي دلالةُ اللفظِ، وهذا الفرقُ هو سببُ أنْ كان للمفسَّر الفضلُ والمزيةُ على التفسير.
ومحالٌ أن يكونَ هذا قضيةَ المفسَّر والتفسير في ألفاظِ اللغة، ذاكَ لأنَّ معنى المفسَّر يكون دالًا مجهولاً عند السامع، ومحالٌ أن يكونَ للمجهول دلالةٌ.
526 - ثم إنَّ معنى المفسَّر يكون هو معنى التفسيرِ بعينه، ومحالٌ إذا كان المعنى واحداً أن يكون للمفسَّر فضلٌ على التفسيرِ، لأن الفضْلَ كان في مسألتنا بأنْ دلَّ لفظُ المفسَّر على معنىً، ثم دلَّ معناهُ على معنى آخرَ. وذلك لا يكونُ مع كونِ المعنى واحداً ولا يتصوَّر.
بيانُ هذا: أنه محالٌ أنْ يقالَ إنَّ معنى "الشرجب" الذي هو المفسَّر، يكون دليلاً على معنى تفسيره الذي هو "الطويلُ" على وِزان قولِنا