تفسيرَه أنْ نَذْكر المتمثَّل له فنقول في قوله: "أراكَ تقدِّم رجْلاً وتؤخِّر أُخرى": إنَّ المعنى أنه قال: أراكَ تتردَّد في أمر البَيْعة فتقولُ تارةً أفعلُ، وتارةً لا أفعلُ، كمن يُريدُ الذهابَ في وجْهٍ، فَتُرِيهِ نفسُه تارةً أنَّ الصوابَ في أنْ يذْهَبَ، وأُخرى أنه في أن لا يذهب، فهو يقدم رجلاً ويؤخِّر أُخرى1. وهذا خروجٌ عن المعقول، لأنه بمنزلةِ أن تقول لرجل قد نُصبَ لوصفِ علَّةً: "إنْ كان هذا الوصفُ يَجب لهذه العلةِ، فينبغي أن يجبَ مع عدمها".
524 - ثم إنَّ الذي استهواهُم، هو أنهم نظَروا إلى تفسيرِ ألفاظِ اللغة بعضِها ببعض، فلما رأَوْا اللفظَ إذا فُسِّرَ بلفظٍ، مثْلِ أنْ يقالَ في "الشَّرجب" إنه الطويلُ، لم يَجُزْ أن يكونَ في المفسَّر من حيثُ المعنى، مزيةٌ لا تكونُ في التفسير2 ظَنَّوا أنَّ سبيلَ ما نحن فيه ذلكَ السبيلُ، وذلك غَلَطٌ منهم، لأنه إنما كان للمفسَّر، فيما نحن فيه، الفضلُ والمزيَّةُ على التفسير، من حيث كانت الدلالةُ في المفسَّر دلالةَ معنى على معنى، وفي التفسير دلالة لفظٍ على معنى. وكان من المركوزِ في الطباعِ، والراسخِ في غرائِزِ العقولِ، أنه متى أُريد الدلالةُ على معْنى، فتُرك أنْ يُصرَّحَ به ويُذْكَر باللفظ الذي هو له في اللغة، وعُمد إلى معنى آخر فأُشير به إليه، وجُعل دَليلاً عليه3 كان للكلام بذلك حسْنٌ ومزيَّة لا يكونان إذا لم يُصنَع ذلك، وذكر بلفظه صريحًا.