يُكْثِر في غيرِ تَحصيل، وأن يُحسِّن البناءَ على غيرِ أساسٍ، وأن يقولَ الشَّيءَ لم يَقْتُلْه عِلْماً. ونَسْأل اللهَ الهدايةَ ونرغَبُ إليه في العصمة.
ذم عبد القاهر لأهل زمانه:
25 - ثم إنا وإِنْ كنا في زمانٍ هو على ما هو عليهِ مِنْ إحالةِ الأُمور عن جِهَاتها1، وتَحْويلِ الأشياءِ عن حالاتِها، ونَقْلِ النفوسِ عن طِبَاعها، وقَلْبِ الخَلائقِ المحمودةِ إلى أضدادها2، ودهر ليس لفضل وأهلهِ لديهِ إلا الشرُّ صِرْفاً والغَيْظُ بَحْتاً، وإلاَّ ما يُدهِشُ عقولَهم ويسْلُبُهم مَعْقولَهم، حتى صار أَعجزُ الناس رأياً عندَ الجميع، مَنْ كانت له هِمَّةٌ في أن يَسْتَفِيدَ عِلْماً، أو يَزْدادَ فَهْماً، أو يَكْتَسب فَضْلاً، أو يَجْعلَ له ذلك بحالٍ شُغْلاً، فإنَّ الإلْفَ من طِباع الكريم3. وإذا كانَ مِنْ حَقِّ الصديقِ عليكَ، ولا سيَّما إذا تقادمَتْ صُحْبتُه وصحَّتْ صداقَتُه، أن لا تَجْفُوَه بأن تَنْكُبَكَ الأيامُ، وتُضجِرَك النوائب، وتخرجك محن الزمان، فتتنا ساه جُملةً، وتَطْويَه طَيَّا، فالعِلْمُ الذي هوَ صديقٌ لا يَحُول عنِ العَهد، ولا يَدْغِلُ في الوُدِّ4، وصاحِبٌ لا يَصِحُّ عليه النكْثُ والغَدْر، ولا تظن به الخيانة والمكر أولى منك بذلك وأجدر5، وحقه عليك أكبر.