"إنَّ" فقلتَ: "فغنِّها وهيَ لك الفداءُ، غناءُ الإِبلِ الحداءُ"، كيفَ تكونُ الصورةُ؟ وكيفَ يَنْبو أحَدُ الكلامَيْن عنِ الآخَرِ؟ وكيف يُشئِم هذا ويعرق ذلك؟ حتى لا تَجدَ حيلةً في ائتلافِهما حتى تَجْتَلِبَ لهما "الفاءَ" فتقول: "فغنِّها وهيَ لكَ الفداءُ، فغناءُ الإبلِ الحُداء"، ثم تعلَّمْ أنْ ليستِ الأُلفةُ بينهما مِنْ جنسِ ما كانَ، وأنْ قد ذَهبتِ الأنَسَة التي كنتَ تَجِدُ، والحسن الذي كنت ترى.
فصل في "كاد"، وتفسير قولهم: "لم يكد يفعل":
317 - ورويَ عن [عَنبسة] أنه قال: قدِمَ ذو الرمة الكوفةَ فوقفَ يُنشِدُ الناسَ بالكناسة قصيدته الحائية التي منها1:
هِيَ البُرْءُ، والأسقامُ، والهمُّ، والمُنى، ... وموتُ الهَوى في القَلْبِ مِنّي المبرِّحُ
وكانَ الهَوى بالنأْي يُمْحَى فيمَّحي، ... وحُبُّكِ عِنْدي يَستجِدُّ ويَرْبَحُ
إِذا غيَّرَ النّّأيُ المحبِّينَ لمْ يَكَدْ ... رسَيسُ الهَوى مِنْ حُبِّ ميَّةَ يَبْرَحُ
قال: فلما انتهى إِلى هذا البيتِ ناداه ابنُ شُبْرُمَة: يا غيلانُ، أراه قد بَرِحَ! قالَ: فشنَق ناقَتَه وجعَل يتأَخَّر بها ويفكر2، ثم قال:
إِذا غيَّر النأيُ المحبينَ لم أَجِدْ ... رسَيسَ الهوى مِن حُبِّ مَيَّةَ يَبْرَحُ