تفسيرُ هذا: أنَّا وإنْ قلْنا إنَّ "اللامَ" في قولك: "أنت الشجاعُ" للجنس، كما هُوَ له في قولهم: "السجاع موقي، والجبان ملقي"1، فإن الفرق ينهما عظيمٌ. وذلك أنَّ المعنى في قولك: "الشجاعُ مُوَقَّى"، أنك تُثْبِتُ الوقايةَ لكلِّ ذاتٍ مِنْ صفتها الشجاعةُ، فهو في معنى قولِك: الشجعانُ كلُّهم مُوَقَّوْنَ. ولستُ أقولُ إن الشجاعَ كالشجعان على الإطلاق، وإنْ كان ذلك ظنَّ كثيرٍ من الناس، ولكني أريدُ أنك تَجعلُ الوقايةَ تستغرق الجنس وتشتمله وتَشِيعُ فيه. وأمَّا في قولك: "أنت الشجاعُ"، فلا مَعنى فيهِ للاستغراقِ، إذْ لسْتَ تُريد أن تَقولَ: "أنتَ الشجعانُ كلُّهم" حتى كأنكَ تَذْهَبُ به مذْهَب قولِهِمْ: "أنتَ الخَلْقُ كلُّهم" و "أنت العالم"، كما قال:
وليس الله بِمُسْتَنْكَرٍ ... أنْ يَجْمَع العالَمَ في واحدِ2
219 - ولكن لحديث "الجنسية" ههنا مأخذ آخرَ غيرَ ذلك، وهو أنك تَعْمدُ بها إلى المصدِر المشتقِّ منه الصفةُ وتُوجِّهُها إليه، لا إلى نفسِ الصِّفَة. ثُم لكَ في تَوْجيهها إليه مَسْلَكٌ دقيقٌ. وذلك أنَّه ليس القصْدُ أَنْ تأتيَ إلى شَجاعاتٍ كثيرةٍ فَتجمَعَها له وتُوجِدَها فيه، ولا أنْ تَقول: إنَّ الشجاعاتِ التي يُتوهَّمُ وجودُها في الموصوفينَ بالشجاعة هي موجودةٌ فيه لا فيهم هذا كلُّه محالٌ، بل المعنى على أنك تقولُ: كنَّا عقَلْنا الشجاعةَ وعرَفْنا حقِيقَتَها، وما هي؟ وكيف يَنبغي أن يكون الإنسانُ في إقدامِه وبَطْشه حتى يعلم أنه شجاع على