لساناً يَحُوك الوشيَ، ويصَوغ الحَلْيَ، وَيلفِظ الدرَّ، وينفثُ السِّحرَ، ويَقْري الشَّهْدَ1، ويُريكَ بدائعَ منَ الزهر، ويحنيك الحلو اليانع من التمر، والذي لولا تحفيه بالعوم، وعنايتهِ بها، وتصويرهُ إياها، لبقيتْ كامنةً مستورة، ولمَا استبنْتَ لها يدَ الدهرِ صورةً2، ولاستمرَّ السِّرارُ بأهلَّتها3، واسْتَولى الخَفَاءُ على جُملتِها، إلى فوائدَ لا يُدركها الإحصاءُ، ومحاسنَ لا يَحْصرُها الاستقصاء.

ما لحق علم البيان من الضيم والخطأ:

إلاَّ أنك لن تَرى على ذلك نوعاً من العلم قد لقيَ من الضَّيْم ما لَقِيَهُ، ومُنيَ مِنَ الحَيْف بِما مُنِيَ به4، ودَخلَ على الناسِ منَ الغلَط في مَعْناهُ ما دخَلَ عليهم فيهِ، فقد سبقتْ إلى نُفوسهم اعتقاداتٌ فاسِدةٌ وظنونٌ رديَّةٌ، ورَكبهُم فيه جهلٌ عظيمٌ وخطأٌ فاحشٌ، تَرى كثيراً منهم لا يَرى له معنىً أكثرَ ممَّا يرَى للإشارةِ بالرأس والعين، وما يَجدُه لِلخط والعَقْد5، يقولُ: إنَّما هو خبرٌ واستخبارٌ، وأمْر ونهيٌ، ولكلِّ مِن ذلك لفظٌ قد وُضع له، وجُعل دليلاً عليه، فكلُّ مَنْ عَرفَ أوضاعَ لغةٍ منَ اللغات، عربيةً كانت أو فارسية، وعرَفَ المغْزى من كلَّ لفظةٍ، ثم ساعدَه اللسانُ على النُّطق بها، وعلى تَأديةِ أجراسِها وحُروفِها، فهو بيِّن في تلك اللّغةِ، كاملُ الأداةِ، بالغٌ منَ البيانِ المبلغَ الذي لا مزيدَ عليه، مُنْتَه إلى الغايةِ التي لا مذهبَ بعدها يسمع الفصاحة والبلاغة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015