أَنْ تُقْدم على تناول كتابٍ تراثي: قراءةً، وتشكيلاً، ودراسةً، وتَحْشيةً، أَمرٌ لا يخلو من الصعوبة والمكابدة.
فكيف إذا كان الكتاب في صميم التراث البلاغي، ولوِاحدٍ من أعيانه، كتاب اتَّسم بكثير من العمق والرسوخ في علْمٍ هو الأَصعبُ، والأَصلُ في تأسيس الكلام ورصْفه وتنضيده، للارتقاء به إلى رتبة الخَلْق والإبداع؟
عَنيتُ: سيدَ الفكر البلاغي، وسادِنَ كعبته، الشيخ عبد القاهر الجرجاني، وكتابه الفرد: دلائل الإعجاز.
فأنتَ إذن أمام عقبتين أُخريين، عليك اجتيازهما بما يشبه المغامرة، لصعوبة مسلكهما، ووعورة الآفاق التي تشكل الإطار العريض لهما.
ولولا أَنني مَشُوقٌ إلى هذا التراث، منذ نعومة أظفاري، ومَعْنيٌّ به ومُعْنًى مُذْ توليتُ تدريس البلاغة والعروض في أروقة الجامعة، نحواً من ربع القرن، وإقدامي على وضع ثلاثة كتب في البلاغة وحرفة الكتابة، وعددٍ من البحوث والمقالات المنشورة في عدد من الدوريات المختصة .. لاستحال عليَّ ركوبُ هذه الموجة الصاخبة، تعصف حولها الرياح من كل حَدَبٍ وصوب.
ومما ينبغي ذكره في هذا الصدد، التهيُّبُ المتجدد في كل مرة أُقبل فيها على وضع كتاب، أو كتابةِ بحثٍ في الميدان البلاغي، لأمرٍ يجب الاعتراف به، ألا وهو: صعوبة الإضافة إلى ما كتبه القدماء، ووثَّقوا به شروحهم ونظرياتهم، ولا سيما الشواهد الأدبية واللغوية الدالَّة.
وها أنذا في الحال نفسها وأنا أسطر هذه المقدمة - الدراسة، لكتاب الجرجاني، الذي يحارُ المرءُ في المسائل التي ينبغي طرحها، والنقاط التي تستحق التوضيح والإنارة.
- هل أَسْلكُ، في التقديم، سلوكَ معظم من قام بصنيع مماثل، من ذكر الدواعي، والظروف، والغايات التي اقتضت الكتابة والتعليق ... ؟
- أم أَقفُ وقفة الدارس المسؤول أمام الكتاب، أَعْرض لأهمْ مسائله وموضوعاته، وأُولي المنهج والأسلوب ما يليق بهما من التأمل، وأحاول تقديم ما توصل إليه المؤلّف؟