وأرادوا المبالغة في إهانته وإخزائه عند الناس ثم انعكس الأمر عند السفهاء فكانوا يستحسنون هذا الخزي ويتولون إخزاء أنفسهم بأيديهم وأموالهم وهذا من مكر الشيطان وتلاعبه بهم فما أشبههم بالذين قال الله تعالى فيهم {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [فاطر: 8].
ومن عظم قدر اللحية عند أوائل هذه الأمة أن قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما كان سناطاً ليس في وجهه شعرة وكانت الأنصار تقول لوددنا أن نشتري لقيس بن سعد لحية بأموالنا.
ذكر ذلك الحافظ ابن حجر عن الزبير بن بكار وذكره ابن عبد البر عن غيره، وهذا بعكس ما عليه المفتونون بالتقاليد الإفرنجية في زماننا.
فأما الأنصار الذين هم من صفوة هذه الأمة وخيارها فيودون أن يشتروا لسيدهم لحية بأموالهم.
وأما الأغمار الذين هم من رذالة هذه الأمة وشرارها فيبذلون من أموالهم لمن يزيل عنهم اللحى أو بعضها، فشتان ما بين هؤلاء وبين أولئك قال الله تعالى {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلاً مَا تَتَذَكَّرُونَ} [غافر: 58].
وقد ذكر البخاري في تاريخه الكبير عن عبد الرزاق قال: أخبرني أبي وغير واحد من أشياخنا أن همام بن منبه قعد إلى ابن الزبير في نفر من قريش وكان بنجران رجل من الأبناء يعظمونه