وممن قال بالنسخ ابن الجوزي في أخبار أهل الرسوخ حيث اختار حديث جابر (آخر الأمرين من رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء مما مست النار) دليلاً على النسخ.
قال المعلق على الكتاب أبو عبد الرحمن الجزائري:" بل لا دليل فيه على النسخ وبيان ذلك من أوجه:
الأول: أن الجمع ممكن فيحمل حديث أبي هريرة على الاستحباب، وحديث جابر لبيان الجواز، وإليه مال الخطابي في (المعالم) وابن تيمية في المجموع (?) وغيرهما من المحققين. ومن المقرر عند علماء الأصول:" أنه لا يصار إلى النسخ إلا إذا تعذر الجمع" وقد أمكن والحمد لله.
الثاني: أن القول بالنسخ مجرد دعوى لأمرين:
-الأول: أنه لا يعلم المتقدم من المتأخر من الحديثين، حتى يعلم الناسخ من المنسوخ.
-الثاني: أن الفعل لا ينهض على نسخ القول، فحديث أبي هريرة قولي وحديث جابر فعلي يقوى هذا الوجه.
-الثالث: وهو أن حديث جابر يحكي واقعة معينة لا عموم لها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: وأما جابر فإنما نقل عن النبي –صلى الله عليه وسلم-: أن آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار، وهذا نقل لفعل لا لقول، فإذا شاهدوه قد أكل لحم غنم ثم صلى ولم يتوضأ بعد أن كان يتوضأ منه صح أن يقال الترك آخر الأمرين، والترك العام لا يحاط به إلا بدوام معاشرته، وليس في حديث جابر ما يدل على ذلك بل المنقول عنه الترك في قضية معينة". (?)
قلت:
ولهذا ذهب ابن القيم إلى أن حديث جابر بهذا اللفظ مختصر من حديث له يقول فيه: "أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- دعي إلى طعام، فأكل ثم حضرت الظهر فقام وتوضأ وصلى، ثم أكل فحضرت العصر فقام وصلى ولم يتوضأ، فكان آخر الأمرين من رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء مما مست النار" فالحديث له قصة، فبعض الرواة اقتصر على موضع الحجة، فحذف القصة وبعضهم ذكرها، وجابر روى الحديث بقصته. (?)